بعض الليل يُمكن أن يكون المراد به بعض الليالي بعيدٌ جداً، ولا يخفى على أحدٍ أن قوله:(وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ)[الإسراء: ٧٩] ليس المراد ما قاله.
وقال في "الانتصاف": وقد جرى ذكرُ الليل في موضع لا يليق به الجواب الذي ذكره الزمخشري، وهو قوله:(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ)[هود: ٨١] والظاهر أن ذكر الليل لتصوير السُّرى بصورته، أو لأن السُّرى دل على أمرين: السير وكونه ليلاً، فأفرد أحدهما بالذكر تقوية له في ذهن المخاطب، مثله قوله تعالى:(لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ)[النحل: ٥١]، فإن الاسم الحامل للتثنية دالٌ عليها وعلى الجنسية، فأكد التثنية لأنها مقصودة بالإبطال كما مر.
وأجيب: أن بين المقامين بوناً بعيداً؛ لأنه ما وقع النزاع في أن عروجه صلوات الله عليه كان ليلاً أو نهاراًن كما وقع في اتخاذ الإله والعدد في تلك الآية، وإنما هو بيان إبداء أمر غريب خارق للعادات.
وأما قوله:(بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ) فهو له لا عليه، لأنه أتى بالليل هناك، ونُكر ليُضمن المعنى المقصود في الإيراد من التبعيض. وجيء بقوله:(مِنْ اللَّيْلِ) هنا ليبين أن البعض ما هون فهذا مقصودٌ منصوصٌ فيه البعضية، وذاك مُضمن. والحاصل أن إعادة الشيء لإناطة أمر زائد أسلوبٌ من الأساليب.
وأقول- والعلمُ عند الله-: ويُمكن أن يُراد بالتنكير التعظيم والتفخيم، والمقامُ يقتضيه، ألا ترى كيف افتتحت السورة بالكلمة المنبئة عنه؟ ثُم وصف المسري به بالعبودية، ثم أردف تعظيم المكانين بالحرام وبالبرة لما حوله تعظيماً للزمان، ثم تعظيم الآيات