أي: الإحسان والإساءة: كلاهما مختص بأنفسكم، لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم. وعن عليّ رضي الله عنه: ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه، وتلاها (فَإِذا جاءَ وَعْدُ) المرّة (الْآخِرَةِ) بعثناهم (لِيَسُوؤًا وُجُوهَكُمْ) حذف؛ لدلالة ذكره أوّلا عليه، ومعنى (لِيَسُوؤًا وُجُوهَكُمْ): ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها، كقوله (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)[الملك: ٢٧]، وقرئ:(ليسوء)، والضمير لله
قوله:(لدلالة ذكره أولاً)، يعني: جواب (إذا) قوله: "بعثناهم"، بدليل قوله:(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ)، فعلى هذا قوله:(وَلِيَدْخُلُوا) عطفٌ على (لِيَسُوءُوا) لاتفاقهما.
فإن قلت: لا ارتياب أن قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ) عطفٌ على قوله: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا) وهما تفصيلٌ لقوله: (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ)، وكان من حق الظاهر أن يترك القرينة الثانية عن الفاء إلى الواو، فما وجهُه؟ قلتُ - والله اعلم-: إن مدخول الفاء وإن كان قسيماً لقوله ((فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا) لكن تخلل بين المعطوفين، قوله:(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَاتُمْ فَلَهَا)، فجره إلى نفسه، كأنه قيل: وإن أسأتم فلها، وقد حصل منكم الإساءة والإفساد مرة أخرى، وهما السبب ف يمجيء الوعد في الآخرة:(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ). ألا ترى كيف وصل قوله:(وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) بما ذيل به هذا الوعد الآخرة، وهو قوله:(عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) أي: إن تبتم.
قوله: (وقرئ: "ليسوء")، أبو بكر وابن عامر وحمزة: بالياء ونصب الهمزة على التوحيد، والكسائي: بالنون ونصب الهمزة على الجمع، والباقون: بالياء وهمزة مضمومة