(وَإِذا أَرَدْنا) وإذا دنا وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل، أمرناهم (فَفَسَقُوا) أي أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجاز، لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون فبقى أن يكون مجازًا، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبًا، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات، فكأنهم
واعلم أن قوله تعالى:(مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) توكيدٌ لمعنى تلك الآية، وأن كل مكلفٍ مرهونٌ بعمله، وعمله كالقلادة في عنقه غير منفك عنه لا يفارقه ولا يتعدى إلى غيره، ثم جاء:(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) تقريراً لهذا المعنى، ومفهوم ذلك كله أنه تعالى بين للمكلف ما عليه وما له وما يحتاج إليه وما خُلق لأجله، غزالة للأعذار، ثم أتى بقوله:(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) تذييلاً لها وتقريراً لإزالة الأعذار.
قوله:((وَإِذَا أَرَدْنَا): وإذا دنا وقت إهلاك قوم)، جعل الإرادة التي هي السبب في الإهلاك تابعة لدنو الوقت. قال القاضي: إذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم لإنفاذ قضائنا السابق، أمرنا متنعميها بالطاعة على لسان رسول بعثناه إليهم، أو إذا دنا وقته المقدر، كقولهم: إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة.
قوله:(كأنهم) إشارة إلى انه من باب التمثيل، شبه إيلاء النعمة عليهم وجعلهم ذلك ذريعة إلى الفسق، بالمأمور الذي ورد عليه أمر الآمر المطاع، فامتثل لأمره من غير توقف، ثم أخرج مخرج الاستعارة لطي ذكر المشبه، والجامع ترتب الثاني على الأول لفظ الأمر.