وقرأ الحسن:(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) أي: هذا المتلوّ من القرآن ذكر رحمة ربك. وقرئ:(ذكر) على الأمر، راعى سنة الله في إخفاء دعوته؛ لأنّ الجهر والإخفاء عند الله سيان، فكان الإخفاء أولى؛ لأنه أبعد من الرياء وأدخل في الإخلاص. وعن الحسن: نداء لا رياء فيه، أو: أخفاه؛ لئلا يلام على طلب الولد
قوله: (وقرأ الحسنُ: "ذكر رحمة ربك")، قال ابن جني: فاعل "ذكر" ضميرُ ما تقدم، أي: هذا المتلو من القرآن الذي هذه الحروف اوله وفاتحته يُذكر رحمة ربك، وإن شئت كان تقديره مما يُقص عليك أو يُتلى عليك:(ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا).
قال أبو البقاء: و (ذِكْرُ): مصدرٌ مضافٌ إلى المفعول، والتقدير: هذا إن ذكر ربُّكَ رحمته عبده. وقيل: هو مضافٌ إلى الفاعل، على الاتساع، والمعنى: هذا إن ذكرت رحمة ربك، فعلى الأول ينتصب عبده برحمة، وعلى الثاني بـ"ذكر".
قوله:(راعى سنة الله)، "سنة الله" من إضافة المصدر إلى المفعول، لا إلى الفاعل، يعني: راعى زكريا سنة العبودية مع المعبود في إخفاء دعائه، فإذن ينطبق عليه التقليل بقوله:"لأن الجهد والخفاء عند الله سيان"، وأما قوله تعالى:(سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ)[الفتح: ٢٣] فمن إضافة المصدر إلى الفاعل.
قوله:(نداءً لا رياء فيه)، فيكون الإخفاء ملزوماً للإخلاص الذي هو: عدم الرياء؛ لأن الإخفاء أبعدُ من الرياء. ولما كنى عن عدم الرياء بالخفاء عُلم أن لا اعتبار للظاهر، وأن الأمر يدور على الإخلاص حتى إنه لو نادى جهراً بلا رياء دخل فيه، أو نادى سراً بلا إخلاص خرج منه، وفي الجمع بين النداء والإخفاء إيماءٌ إلى هذا المعنى.
الراغب:(إِذْ نَادَى رَبَّهُ): أشار بالنداء إلى الله تعالى؛ لأنه تصور نفسه بعيداً منه