يقال: حكم حكما كحلم؛ وهو الفهم للتوراة والفقه في الدين. عن ابن عباس. وقيل: دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبى فقال: ما للعب خلقنا. عن الضحاك. وعن معمر: العقل. وقيل: النبوّة؛ لأنّ الله أحكم عقله في صباه وأوحى إليه.
"الثمد": الماء القليل الذي لا مادة له. "إلى حمامتنا" أي: مع حمامتنا. و"قد" بمعنى: حسب. الجوهري: قولهم: قدك أي: حسبك، فهو اسم، تقول قدي وقدني، وبالنون شاذ. قال الميداني: قال النابغة في زرقاء اليمامة، يخاطب النعمان: واحكم كحكم فتاة الحي، وكانت نظرت إلى سرب حمام طائر فيه ست وستون حمامة، وعندها حمامة واحدة، فقالت:
ليت الحمام ليه … إلى حمامتيه
ونصفه قديه … تم الحمام ميه
وقال بعض أصحاب المعاني: إن النابغة لما أراد مدح هذه الحكيمة الحاسبة بسُرعة إصابتها، شدد الأمر وضيقه ليكون أحسن له إذا أصابت، فجعلها حزرة للطير، إذ كان الطيرُ أخف ما يتحرك، ثم جعله حماماً، إذ كان الحمام أسرع الطير، ثم كثر العدد، إذ كانت المسابقة مقرونة بها؛ لأن الحمام يشتد طيرانها عند المسابقة، ثم ذكر أنها طارت بين نيقين؛ لأن الحمام إذا كان في مضيق من الهواء كان أسرع طيراناً منه إذا اتسع عليه الفضاء، ثم جعله وارداً لما أعانه الحرص على الماء على سرعة الطيران.
قوله:(وقيل: النبوة)، قال الإمام: الأقرب هذا؛ لأنه تعالى ذكر هاهنا مناقب شريفة ليحيى على سبيل المدح، ولا ارتياب أن أشرفها النبوة، فوجب حمله عليها. وروى الواحدي عن ابن عباس، أن الحكم: النبوة، وقال أيضاً: المعنى: فوهبنا له وقلنا: (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)، والكتابُ: التوراةُ.