ونظيرُ هذا تقديراً ومعنى: ما في سورة يوسف، أما تقديراً فقوله تعالى:(وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَاوِيلِ الأَحَادِيثِ)[يوسف: ٢١]، أي: ولنُعلمه من تأويل الأحاديث كان ذلك الإيحاء والتمكين. وأما معنى فقوله تعالى:(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً)[يوسف: ٢٢]، فعلى هذا لا يردُ السؤال: كيف صح عطفُ (لِتَبْلُغُوا) على نبين لكم ولا طباق؟ ولم يحتج إلى ذلك الجواب الواهي، على أن عطف (وَنُقِرُّ) بالنصب على (لِنُبَيِّنَ) غيرُ ظاهرٍ كما قال الزجاج.
وقال أبو البقاء:(وَنُقِرُّ) الجمهور: على الضم على الاستئناف؛ إذ ليس المعنى: خلقناكم لنُقر، وقرئ بالنصب على أن يكون معطوفاً في اللفظ، والمعنى مختلفٌ؛ لأن اللام في (لِنُبَيِّنَ) للتعليل، واللامُ المقدرة مع "نُقرّ" للصيرورة.
وقلتُ: ودل العطف بـ"ثُمَّ" على التراخي بحسب الأزمنة، وبحسب المرتبة كنايةٌ. ولما كانت الدلائل الآفاقية مرتبطة بالأنفسية كما قال تعالى:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)[فصلت: ٥٣] ومشتبكة بعضها مع بعض، خصوصاً دلالة إحياء الأرض بعد موتها، وكانت أنموذجاً للبعث والنشر، عطف (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً) على قوله: (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) وإليه أشار بقوله: "هذه دلالة ثانية على البعث". وقوله:(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) كالفذلكة للدليلين، وهو بمنزلة قوله:(حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) في تلك الآية، وإليه أشار بقوله:"ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم، وإحياء الأرض حاصلٌ بهذا"، والله يقولُ الحقَّ وهو يهدي السبيل، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
قوله:(وحده)، أي (طِفْلاً)، قال القاضي:(طِفْلاً): حالٌ أجريت على تأويل: كل واحد، أو للدلالة على الجنس، أو لأنه في الأصل مصدرٌ.