ذوي رأي وقوة، يظاهرونه عليه ويعاونونه ويستضيء بآرائهم ومعارفهم وتجاربهم في كفايته، فمارقة أحدهم في مثل تلك الحال مما يشق على قلبه، ويشعث عليه رأيه، فمن ثم غلظ عليهم وضيق عليهم الأمر في الاستئذان، مع العذر المبسوط ومساس الحاجة إليه، واعتراض ما يهمهم ويعنيهم، وذلك قوله:{لِبَعْضِ شَانِهِمْ}. وذكر الاستغفار للمستأذنين: دليلٌ على أن الأحسن الأفضل أن لا يحدثوا أنفسهم بالذهاب ولا يستأذنوا فيه. وقيل: نزلت في حفر الخندق، وكان قومٌ يتسللون بغير إذن.
وقالوا: كذلك ينبغي أن يكون الناس مع أئمتهم ومقدميهم في الدين والعلم: يظاهرونهم ولا يخذلونهم في نازلةٍ من النوازل ولا يتفرقون عنهم. والأمر في الإذن مفوض إلى الإمام: إن شاء أذن وإن شاء لم يأذن، على حسب ما اقتضاه رأيه.
إذا احتاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اجتماعكم عند لأمرٍ فدعاكم فلا تفرقوا عنه إلا بإذنه، ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضاً، ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي. أو: لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمى بعضكم بعضاً، ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه، ولا تقولوا: يا محمد، ولكن: يا نبي الله، ويا رسول الله، مع التوقير والتعظيم والصوت المخفوض والتواضع. ويحتمل: لا تجعلوا دعاء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم كبيركم، وفقيركم غنيكم، يسأله حاجةً فربما أجابه وربما
مدمج معنى خطر الأمر وصعوبته، لأن اجتماع أمثالهم لا يكون في أمرٍ هين، وفي تعقيب ذلك بالاستغفار تتميمٌ لمعنى الكراهة منه صلوات الله عليه في إذنه في قوله:{فَاذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} لما عسى أن يأذن وهو غير مسامح فيه، وإليه الإشارة بقوله:"إن الأحسن الأفضل أن لا يحدثوا أنفسهم بالذهاب".