فليحذر الذين وقعت منهم المخالفة ذلك، فيستدركوا ما فعلوه بالتوبة، والرجوع إلى الله تعالى فيكون ذلك سبباً لدفع العذاب عنهم. تم كلامه.
وقال محيي السنة في "المعالم": {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}، قيل: معناه: يعرضون عن أمره، وينصرفون عنه بغير إذنه.
وقلت: هذا هو التفسير الذي عليه التعويل، ويساعد عليه النظم والتأويل، لأن الأمر حينئذ بمعنى الشأن، واحد الأمور، وبيانه: أن ما قبله حديثٌ في الأمر الجامع، وهو الأمر الذي يجمع له الناس، ومدح من لزم مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذهب عنه، وذم من فارقه بغير الإذن، والاستغفار في حق من فارق بالإذن، لأن قوله تعالى:{فَاذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} يؤذن أن القوم ثلاث فرق: المأذون في الذهاب بعد الاستئذان، والمتخلف عنه، ثم المتخلف إما أن يدوم في مجلسه ولم يذهب، وهم السابقون الكاملون، أو يتسلل لواذاً، وهم المنافقون، وقوله:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} مترتبٌ على القسم الثالث على سبيل الوعيد، والفعل المضارع يفيد معنى الدأب والعادة، وقد أقيم المظهر موضع المضمر من غير لفظه السابق علةً لاستحقاقهم فتنة الدارين.
وروى الإمام عن الأخفش، أن "عن": صلةٌ، وقال غيره: معناه: يعرضون عن أمره ويميلون عن سنته، فدخلت "عن" لتضمين المخالفة معنى الإعراض، كذا في "الوسيط" و"المطلع".
وأما استدلال الأصوليين بهذه الآية على وجوب الأمر فهو إ نما يصح ويتم إذا جعل قوله:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} تذييلاً للآيتين جميعاً، ويراد بالأمر ما يشمل