ثم قالوا: ما كان يصحّ لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحدا دونك. فكيف يصحّ لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك؟ ! أو ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار. قال الله تعالى:(فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ)[النساء: ٧٦] يريد الكفرة، وقال:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ)[البقرة: ٢٥٧]. وقرأ أبو جعفر المدني:(نُتَّخَذَ) على البناء للمفعول.
قوله:(ثم قالوا: ما كان يصح لنا)، "ثم" هاهنا: للتراخي في الإخبار، يعني: جعلوا {سُبْحَانَكَ} توطئةً وتمهيداً لقولهم: {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} إما على إرادة مطلق التعجب مما قيل لهم من قوله: {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي}، أو نطقوا بكلمة التسبيح كنايةً عن البراءة عن أنفسهم ذلك القول، أو أرادوا موضوعها اللغوي من التنزيه والتقديس، قدسوا ساحة جلال الله عما لا يليق بحضرته من الند والضد، أما قوله:"ما كان يصح لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحداً دونك"، إلى آخره، فمبنيٌ على التقديس.
قوله:(أو: ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين)، مبنيٌ على الإضلال الذي بنى عليه الوجهين الأولين، والظاهر أن "أو" في قوله: "أو ما كان ينبغي لنا": للإباحة، فيصح جعل كل من الوجهين لكل من الوجوه الثلاثة، ويصح الجمع بينهما كقولك: جالسٌ الحسن أو ابن سيرين.
قوله: (وقرأ أبو جعفر المدني: "نتخذ" على البناء للمفعول)، قال ابن جني: وهي قراءة زيد بن ثابتٍ وأبي الدرداء وأبي جعفرٍ ومجاهدٍ والحسن وغيرهم. فعلى هذا {مِنْ أَوْلِيَاءَ} في موضع المفعول به، أي: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء، ودخلت "من" زائدةً لمكان النفي، كقولك: اتخذت زيداً وكيلاً، فإن نفيت قلت: ما اتخذت زيداً من وكيل، وهذا في المفعول به، وأما قراءة الجماعة فقوله:{مِنْ أَوْلِيَاءَ} في موضع المفعول به، كقولك: ضربت رجلاً فإن نفيت قلت: ما ضربت من رجل.