قد علم أنّ ذلك لا يكون، ولكنه أراد أن يحرّك منه؛ لازدياد الإخلاص والتقوى.
وفيه لطف لسائر المكلفين، كما قال:(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ)[الحاقة: ٤٤]، (فَإن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إلَيْكَ)[يونس: ٩٤]. فيه وجهان: أحدهما أن يؤمر بإنذار الأقرب فالأقرب من قومه، ويبدأ في ذلك بمن هو أولى بالبداءة، ثم بمن يليه. وأن يقدّم إنذارهم على إنذار غيرهم، كما روي عنه عليه السلام: أنه لما دخل مكة قال: "كل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين، وأوّل ما أضعه ربا العباس". والثاني: أن يؤمر بأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة، ولا يحابيهم في
قوله:(كل رباً في الجاهلية موضوع)، روينا عن الترمذي وابن مجاه والدرامي، عن عمرو بن الأحوص، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع:"ألا أن كل رباً في الجاهلية موضوعٌ، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون".
وعن ابن ماجه والدرامي عن عمر بن الخطاب: أن آخر ما نزل آية الربا. وكذا عن البخاري عن ابن عباس.
قوله:(تحت قدمي)، أي: مهدرٌ. يقول الموادع لصاحبه: اجعل ما سلف تحت قدميك: طأه واقمعه.
قوله:(أن يؤمر بأن لا يأخذه ما يأخذ القريب)، الفرق أن "أفعل" على الأول على بابه، وعلى هذا لمجرد الزيادة، ولذلك قال في الأول:"الأقرب فالأقرب"، وفي الثاني:"القريب للقريب".