المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله، فعلى هذا إذا وقع الإنسان في محنة ثم سأل غيره خلاصه، لم يخرج من حد التوكل، لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله. وفي مصاحف أهل المدينة والشام:(فتوكل)، وبه قرأ نافع وابن عامر، وله محملان في العطف: أن يعطف على (فَقُلْ)[الشعراء: ٢١٦]، أو (فَلا تَدْعُ)[الشعراء: ٢١٣]. (عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ): على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته. ثم أتبع كونه رحيما على رسوله ما هو من أسباب الرحمة: وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد، وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه، ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون، ويستبطن سر أمرهم، وكيف يعبدون الله، وكيف يعملون لآخرتهم، كما يحكى: أنه حين نسخ فرض قيام الليل، طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون؛ لحرصه عليهم وعلى ما
[الأنبياء: ١٠٧]، وإلى المرتبة الثانية الإشارة بقوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}، أي: حين تتفرغ لأداء حفظ الواجبات، لأن في حفظ الواجبات تصحيح أمر التوكل، وفي الإخلاص فيها، بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، المومى إليك بقوله تعالى:{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ}، فمع تشرف النفس، وإلى الرتبة الثالثة الإشارة بقوله تعالى:{الْعَزِيزِ}، كما قال العارف:"أن يعلم أن ملكة الحق تعالى للأشياء ملكة عزة، لا يشاركه فيها مشاركٌ". ولعل السر في تقديم هذا الاسم على الوصفين الأخيرين اقتضاء مقام التسلي عن المشاق اللاحقة من القوم إليه، لأن قوله:{وَتَوَكَّلْ} عطفٌ على قوله: {فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}، كأنه قيل: فإن لم ينتفعوا بإنذارك ولم ينجع فيهم وعظك تبرأ منهم، وكل أمرك وأمرهم إلى العزيز الغالب القاهر، واشتغل بدعوة من يقبل دعوتك، وبلغ إليهم ما أنزل إليك من الرحمة من ربك، واخفض جناحك لهم رحمةً، لأنك رحمةٌ مهداةٌ إلى الخلق، وتفرغ لعبادة ربك بالليل والنهار.