ذكر الوادي والهيوم: فيه تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ومجاوزة حدّ القصد فيه، حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأشحهم على حاتم، وأن يبهتوا البرىّ، ويفسقوا التقي. وعن الفرزدق: أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:
فبتن بجانبىّ مصرّعات … وبت أفض أغلاق الختام
فقال: قد وجب عليك الحدّ، فقال: يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحدّ بقوله: (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ).
استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله وتلاوة القرآن، وكان ذلك أغلب عليهم من الشعر، وإذا قالوا شعرا قالوه في توحيد الله والثناء عليه، والحكمة والموعظة، والزهد والآداب الحسنة، ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة
قوله:(ذكر الوادي والهيوم فيه تمثيلٌ لذهابهم في كل شعبٍ من القول)، قال القاضي: وذلك أن أكثر مقدماتهم خيالاتٌ لا حقيقة لها، وأكثر كلماتهم في النسيب والابتهار وتمزيق الأعراض والوعد الكاذب والافتخار بالباطل.