للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك أنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضى بها واطمأن. وأمّا من قلبه إلى الآخرة، ويعلم أنه مفارقٌ ما فيه عن قريب، لم تحدّثه نفسه بالفرح. وما أحسن ما قال القائل:

أشد الغمّ عندي في سرور … تيقّن عنه صاحبه انتقالا

(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ الله) من الغنى والثروة (الدَّارَ الْآخِرَةَ) بأن تفعل فيه أفعال الخير؛ من أصناف الواجب والمندوب إليه، وتجعله زادك إلى الآخرة (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ) وهو أن تأخذ منه ما يكفيك ويصلحك (وَأَحْسِنْ) إلى عباد الله (كَما أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ) أو: أحسن بشكرك وطاعتك لله كما أحسن إليك. والفساد في الأرض: ما كان عليه من الظلم والبغي. وقيل: إن القائل موسى عليه السلام. وقرئ: (واتبع).

[(قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ٧٨]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

البيتُ ينظرُ إلى قولِهِ تعالى: {لِكَيْلَا تَاسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَكُمْ} [الحديد: ٢٣].

قولُه: (أَشَدُّ الغَمِّ عندي في سُرورِ) البيت، يقولُ: السرورُ الذي تَيَقّنَ صاحبُهُ الانتقالَ عنهُ هوَ أشدُّ الغمِّ؛ لأنهُ يُراعي وقتَ زوالِهِ فينتَفِضُ كلما ذكرَ زوالَه. وروي: والذي نفسُ محمدٍ بيدِه، إِنَّ ما أوتيتم مِنَ الدنيا كإناخةِ ناقة؛ فعلامَ تفرحون، وإلامَ تنتظرون؟ ولله درُّ القائل:

إنما الدنيا كظلٍّ زائلٍ … أو كضيفٍ نازلٍ ثُمّ ارتَحَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>