للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كذا، كأنه قال: إنما أوتيته على علم، كقوله تعالى: (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) [الزمر: ٤٩] ثم زاد (عِنْدِي) أى: هو في ظنى ورأيى هكذا. يجوز أن يكون إثباتاً لعلمه بأنّ الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى، لأنه قد قرأه في التوراة، وأخبر به موسى، وسمعه من حفاظ التواريخ والأيام. كأنه قيل: (أَوَ لَمْ يَعْلَمْ) في جملة ما عنده من العلم هذا، حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوّته. ويجوز أن يكون نفياً لعلمه بذلك؛ لأنه لما قال: أوتيته على علمٍ عندي، فتنفج بالعلم وتعظم به. قيل: أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبةً لكل نعمةٍ، ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين (وَأَكْثَرُ جَمْعاً) للمال، أو: أكثر جماعةً وعدداً. فإن قلت: ما وجه اتصال قوله: (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) بما قبله؟ قلت: لما ذكر قارون من أهلك من قبله من القرون الذين كانوا أقوى منه وأغنى، قال على سبيل التهديد له: والله مطلعٌ على ذنوب المجرمين،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قولُه: (ويجوزُ أنْ يكونَ نفيًا لعلمِهِ بذلكَ)، يريدُ أنّ الهمزةَ في قولِهِ: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} إذا كانَ للتقريرِ أفادَ إثباتَ عِلمِ قارون، وإذا كانَ للإنكارِ كانَ نفيَ عِلمِه. وعلى التقديرَيْنِ المعطوفُ عليهِ محذوف؛ أي: ألم يَقْرَأِ التوراةَ ولمْ تُعلِّمْه الأحداثُ والوقائع؟ أي: قرأَ وعَلِم؛ أي: اغترّ بما عندَهُ مِنَ العلم، ولمْ يعلمْ ذلكَ ليعتَبِرَ ويُمسِكَ عنْ ذلكَ القول.

قولُه: (فتَنَفّجَ)، يُروى بالخاءِ والجيم. الأساس: ومِنَ المجاز: فلانٌ نفّاجٌ وفيهِ نَفَج، وسمعتُ مَنْ يقول: فيهِ نفاجة. وفي الأساس أيضًا: ومِنَ المجاز: انتَفَخَ النهار: علا، ونفخَ شِدْقَيْه: تَكَبّر.

قولُه: (لَمّا ذَكّرَ قارونَ مَنْ أُهلِكَ مِنْ قَبْلِه .... ، قالَ على سبيلِ التهديدِ له: والله مُطّلِعٌ على ذنوبِ المجرمين)، يريدُ أنّ هذهِ الجملةَ تذييلٌ للسابق؛ فإنّ قولَه: {[أَوَلَمْ] يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ} تهديدٌ لقارونَ ووعيدٌ لهُ بالهلاك، وقولُه: {وَلَا يُسْئَلُ عَن

<<  <  ج: ص:  >  >>