ويجوز أن يكون وعدًا ووعيدًا، كأنه قال: وليثيبن الذين صدقوا وليعاقبنّ الكاذبين. وقرأ على رضى الله عنه والزهري:"وليعلمنّ"، من الإعلام، أى: وليعرفنهم الله الناس من هم. أو ليسمنهم بعلامةٍ يعرفون بها؛ من بياض الوجوه وسوادها، وكحل العيون وزرقتها.
(أَنْ يَسْبِقُونا) أي: يفوتونا، يعنى: أنّ الجزاء يلحقهم لا محالة، وهم لم يطمعوا في الفوت، ولم يحدّثوا به نفوسهم، ولكنهم لغفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وإصرارهم على المعاصي: في صورة من يقدر ذلك ويطمع فيه
قوله:(ويَجوز أن يكونَ وَعْدًا ووَعِيدًا)، قال ابن جِنِّي: فإنَّه من إقامةِ السَّبَبِ مقامَ المُسبِّب، والغرضُ فيه: ليُكافِئنَّ اللهُ الذين آمنوا، وذلك أن المكافآتِ على الشيء إنّما هي مُسبَّبة عن علم.
قوله:(أو لَيَسِمَنَّهُم بعلامةٍ) قال ابن جنِّي: ((ولَيُعلِمَنَّ اللهُ)) بضمِّ الياءِ وكسرِ اللاّمِ؛ معناه: وَليُعَرِّفَنَّ الناسَ مَنْ هُم؟ فحُذف المفعولُ الأوَّلُ، ولك أنْ لا تحذفَه على أنَّه من قولهم: ثَوبٌ مُعْلَم، وفارسٌ مُعْلَم؛ أي: أَعلَمَ نفسَه في الحرب بثوب أو غيره. المعنى: ولَيُشْهِرنَّ اللهُ الذين صَدَقوا.
قوله:(وهم لم يَطْمَعُوا في الفَوْت، ولكنّهم لِغَفلَتِهم وإصرارِهم على المعاصي: في صُورة مَن يُقدِّرُ ذلك)، يعني أنّه تعالى أَوقَعَ الحُسْبانِ على السَّبْق والفَوْتِ وهم لا يَعلمون ذلك، بل خلافُه مُتيقَّنٌ وُقوعُه، وهو لُحوقُ الجزاءِ بهم؛ لأنَّ قولَه:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} في المؤمنين بدليل تَعْقِيبِه قولَه: أَحَسِبَ الناسُ أن يُترَكُوا وهم لا يَشُكُّونَ في الجزاء