قلت: إذا علم أن لقاء الله عنيت به تلك الحال الممثلة، والوقت الذي تقع فيه تلك الحال هو الأجل المضروب للموت، فكأنه قال: من كان يرجو لقاء الله؛ فإن لقاء الله لآت، لأن الأجل واقع فيه اللقاء، كما تقول: من كان يرجو لقاء الملك؛ فإن يوم الجمعة قريب، إذا علم أنه يقعد للناس يوم الجمعة.
(وَمَنْ جاهَدَ) نفسه في منعها ما تأمر به وحملها على ما تأباه (فَإِنَّما يُجاهِدُ) لها، لأن منفعة ذلك راجعة إليها، وإنما أمر الله عز وجل ونهى، رحمةً لعباده وهو الغنى عنهم وعن طاعتهم.
وأما ((إذا)) في قوله: ((إذا عَلِمَ أنَّ لقاءَ اللهِ عُنيتْ به))، فهي كـ ((إذا)) في قوله: ((إذا عُلِمَ أنَّه يَقْعُدُ))، فكما أنَّ جزاءَ المِثالِ ما دلَّ عليه بقوله:((مَن كان يَرجو لقاءَ المَلِكِ)) كذلك يقدَّر له الجزاءُ. والفاءُ في ((كأنَّه)) جوابُ شرطٍ محذوفٍ؛ أي: إذا كان كذلك فكأنَّه قال.
قوله:(صالحين قد أَساؤوا في بعض أعمالِهم، وسيِّئاتُهم مَغْمُورةٌ بحَسناتِهم)، الانتصاف: هذا من تحجُّرِ رحمةِ الله الواسعةِ بناءً على مذهبِه في وَعِيد أصحابِ الكَبائِر، وقد سَبَق إبطالُه.
وقلت: قد مَرَّ أنَّ الآياتِ واردةٌ في حقِّ المؤمنينَ تَعْييرًا على اجتِراحِ السَّيِّئاتِ، وتَحريضًا على اكتساب الحَسَناتِ، وأعلَمَهمُ اللهُ أنّ نَفْعَ ذلك كلُّه عائدٌ إليهم، بقوله: {وَمَن جَاهَدَ