(فِي أَنْفُسِهِمْ) يحتمل أن يكون ظرفًا، كأنه قيل: أو لم يحدثوا التفكر في أنفسهم، أى: في قلوبهم الفارغة من الفكر، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين، كقولك: اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك، وأن يكون صلة للتفكر، كقولك: تفكر في الأمر وأجال فيه فكره. و (ما خَلَقَ) متعلق بالقول المحذوف، معناه: أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول. وقيل: معناه: فيعلموا، لأنّ في الكلام دليلًا عليه، (إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أى: ما خلقها باطلًا وعبثًا بغير غرٍض صحيٍح وحكمة بالغة، ولا لتبقى خالدة: وإنما خلقها مقرونةً بالحق مصحوبة
هم الذين استقرَّ وثبتَ فيهم الغَفْلةُ بالتَّحقيق، فبالاعتبار الأوَّل يُعلمُ أنَّ ليس للغَفْلة محلٌّ سِواهم، وأنها إليهم ترجعُ، وبالثاني تحقَّق أنهم مَعْدِن الغَفْلة ومَعْلَمُها ومَقَرُّها، ومنهم تَنبعُ.
قوله:(وقيل: معناه: فيَعلموا، لأنّ في الكلام دليلاً عليه)، أي: على تقدير (فيَعلَموا)؛ لأنَّ العلمَ نتيجةُ الفِكْرِ.
قوله:(بغير غَرَضٍ صحيحٍ)، مذهبُه، جَعَلَ الحقَّ في مقابل الباطِل، وفسَّره بالعَبَث، والعبثُ: أن لا يكونَ في الخَلْق فائدةٌ، ولمّا عُلم أنَّ الفائدةَ غيرُ راجعةٍ إلى الله بل إلى المكلَّفين، يجبُ أن يُقالَ: ما خَلَقها إلاّ بأنْ تكونَ مساكنَ المكلَّفين ومسارحَ نَظَرِ المتفكِّرين؛ ليعرفُوه فيعبُدوه. فلا يُقالُ: لغرض صحيح؛ لئلاّ يُوهم النُّقصان.
قوله:(ولا لتبقى خالدة وإنَّما خَلَقها مقرونةً بالحقِّ) إلى آخره، مَشعرٌ بأنَّ قولَه:{وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} عطفٌ تفسيريٌّ على قوله: {بِالحَقِّ}، ولذلك استَشهد بقوله:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون: ١١٥]، وذلك أنَّ هذا في حقِّ مُنكِري البعثِ، بدليل تَعْقيبه بقوله:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} تقريعًا وتوبيخًا.