ما قَبْلَه من قولِه:{أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ}، وهذا مِن سوءِ تأمُّلك، لأنّ {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} شَرطٌ، والشرطُ لا يصحّ في الماضي وكذا الجزاء، ألا ترى أن لو قُلْتَ: إن قمتُ غدًا قمتَ أمس، لكنت مخطئًا، وقوله:{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} إخبارٌ عن إحلاله في الماضي، فلا يصحُّ ذلك التقدير، بل التقدير: ويُحلُّ لك امرأةً مؤمنةً إن وهبَتْ، ليصحَّ به الجزاء، كما تقول: أقومُ إن قمتَ، وأخرجُ إن خرجْتَ، فافهمه.
وعن أبي علي أنه قال: فإن قلتَ: فإن هذا امتنانٌ منه عزَّ وجلَّ على نَبيِّه بأن أحلَّ له امرأةً وهبَت نفْسَها له فيما مضى، وليس الامتنانُ عليه بامرأةٍ ستفعل ذلك، فإنه يكونُ من باب قوله:{إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}[المائدة: ١١٦]، أي: صحَّ أني كنتُ قلته، فكذلك {إِن وَهَبَتْ} أي: إن صح أنها وهبَتْ فإنه تحل لك، فهذا معنى هذا الكلام.
وقال القاضي:((امرأة)) نصبٌ بفعلٍ يُفَسِّرُه ما قبْلَه، أو عطفٌ على ما سبق، ولا يدفعُه التقييد بـ ((إنْ)) التي للاستقبال، فإن المعنيَّ بالإحلال الإعلامُ بالحلِّ، أي: أعلمناك حِلَّ امرأةٍ مؤمنةٍ تهَبُ لك نفسَها ولا تطلبُ مهْرَها إن اتفق، ولذلك نكرها.
وقال أبو البقاء: قيل في ناصب ((وامرأةً)) وجهان: أحدُهما: {أَحْلَلْنَا} في أول الآية، وقد ردّ هذا قوم وقالوا:{أَحْلَلْنَا} ماضٍ، و {إِن وَهَبَتْ} - وهو صفةُ المرأة- مُستقبل ف {أَحْلَلْنَا} في موضع جوابه، وجوابُ الشرطِ لا يكونُ ماضيًا في المعنى، وهذا ليس بصحيح؛ لأن معنى الإحلال هاهنا الإعلامُ بالحِلِّ إذا وقع الفعلُ على ذلك، كما تقول: أبحْتُ لك أن تكلِّمَ فلانًا إن سَلَّمَ عليك. وقلت: فائدةُ العدولِ المبالغةُ في الامتنان.