وإنما هو تتمة سرور المؤمنين، وتكملة اغتباطهم: يلتذون به كما يلتذ من به العطاش بالماء البارد. (وَهُوَ الْحَكِيمُ) الذي أحكم أمور الدارين ودبرها بحكمته، (الْخَبِيرُ) بكل كائٍن يكون.
ثم ذكر مما يحيط به علمًا (ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) من الغيث كقوله: (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ)] الزمر: ٢١ [، ومن الكنوز والدفائن والأموات، وجميع ما هي له كفات، (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من الشجر والنبات، وماء العيون، والفلز والدواب، وغير ذلك. (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق
وقيل: إنّ قولَه: ((لأنه نعمةٌ واجبةُ الإيصال)) ليس على إطلاقِه عندهم أيضًا، لأنّ ما يُعطي الله العبادَ في الآخرةِ ليس مقصورًا على الجزاءِ عنْدَهم بل بَعْضُ ذلك تَفَضُّلٌ وبعضُه أجْر.
قوله:(تَتِمّةُ سُرور)، أي: يحمَدونه سُرورًا به لا تعبُّدًا فهو تتميمٌ للسرورِ، لأنّ مَنْ حصَلَ في نعيمٍ بعد مُقاساةِ الشدّةِ والتَّعبِ لا يخلو حالُه مِن تذكُّرِ تلك المقاساةِ، وإذا أخْطَرَهُ ببالِه ورأى ما عليه من الكرامةِ والنعيم يزيدُ سرورُه وابتهاجُه، فقولُهم:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر: ٣٤] إشارةٌ إلى هذا المقام. ثمَّ إذا ذكر أنّ ذلك النعيمَ وتلكَ الكرامةَ دائمةٌ على وجهِ التعظيمِ وليسَ كنعيمِ الدنيا في أنّه في وَشْكِ الزَّوالِ وسُرعةِ الانفصالِ بل جُلُّها بالاستدراجِ يَزيدُ ذلك السرورُ والاغتباط، وقوله:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[يونس: ١٠] ناظرٌ إلى هذا المطلوب.
قولُه:(العُطاشُ بالماءِ البارد)، الجوهري: العُطاشُ: داءٌ يُصيبُ الإنسان يشربُ الماءَ لا يَروي.
قوله:(ما هي له كِفات)، الجوهري: كَفَتُّ الشيءَ أكفُتُه كَفْتًا: إذا ضمَمْتَه إلى نفسِك والكُفاتُ: الموضعُ الذي يُكْفَتُ فيه شيءٌ أي: يُضَمُّ.