وهو العقاب العاجل. وقيل: المؤمن تكفر سيئاته بحسناته، والكافر يحبط عمله فيجازى بجميع ما عمله من السوء، ووجه آخر: وهو أن الجزاء عام لكل مكافأة، يستعمل تارة في معنى المعاقبة، وأخرى في معنى الإثابة، فلما استعمل في معنى المعاقبة في قوله:(جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) بمعنى: عاقبناهم بكفرهم؛ قيل:(وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) بمعنى: وهل يعاقب؟ وهو الوجه الصحيح. وليس لقائل أن يقول: لم
قوله:(أن الجزاء عام لكلٍّ مكافأةٍ)، أي: مشتركٌ في معنَييْن متضادَّيْن فاحتيجَ إلى تعيينِ المرادِ بالقرينةِ المُخصِّصة لَمّا قُرِنَ هاهنا بقولِه: {بِمَا كَفَرُوا} تَعَيَّنَ المرادُ، ثم قيل:{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} لكونِه تذييلاً، فيكون معناهُ معناه، وهو المراد من قوله بعد هذا:((لم يُرِدِ الجزاءَ العامّ وإنما أرادَ الخاصّ))، ومن قولِه:((ولا يجوزُ أن يرادَ العمومُ وليس موضعَه، ألا ترى أنّك لو قلتَ: جزَيْناهُم بما كفروا وهل نُجازي إلا الكافرَ والمؤمنَ لا يصحُّ))، فعلى هذا قوله:((وليسَ لقائلٍ أن يقول)): لا افتقارَ إليه، ولعلَّ مُرادَ صاحبِ ((الفرائد)) من قولِه: ((ولقائل أن يقول: منظور فيه)) هذا. ويمكن أن يكونَ أصلُ الكلام: فهل يُجازي إلا العاملُ، فَعَدلَ إلى ((الكفورِ)) ليشاكِلَ قولَه: {بِمَا كَفَرُوا}.
قوله:(وهو الوجه الصحيح)، مشعر بأن في الآية وجوهًا، لكنّ الصَحيح هذا، وفيه أن الوجْهَ الأولَ ليس بقويّ لاختصاصِ الجزاءِ والمجازاة فيه بالشرِّ دون الخير ابتداء.
قال ابنُ جِنِّي: ذكر شيخُنا أبو علي: أنه كان أبو إسحاق يقولُ: جزيتُ الرجلَ في الخيرِ وجازيْتهُ في الشرِّ، واستدلَّ عليه بقراءةِ العامة:{وهل يجازي إلا الكفور}، وقرأتُ على أبي عليٍّ عن أبي زيدٍ:
لعمري لقد بَرًّ الضِّبابَ بنوه … وبعضُ البنين حُمَّة وسُعال
جزَوْني بما ربَّيتُهم وحملتُهم … كذلك ما إنّ الخطوبَ دَوال
وينبغي أن يكونَ أبو إسحاقَ يقول: يريدُ أنّك إذا أرسلتَهُما ولم تُعَدِّهما إلى المفعول الثاني كان كذلك، فإذا ذكرْتَه إشتركا، ألا ترى إلى قولِه: