قال:(فَسَيَقُولُونَ الله)] يونس: ٣١ [ثم قال: (فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ)] يونس: ٣٢ [فكأنهم كانوا يقرّون بألسنتهم مرّة، ومرّة كانوا يتلعثمون عنادًا وضرارًا وحذارًا من إلزام الحجة، ونحوه قوله عزّ وعلا:(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ الله قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا)] الرعد: ١٦ [. وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي إن لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه:(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى
قوله: (فماذا بعدَ الحقِّ إلا الضلال)، يعني: أنهم لو تفوهوا بأن الله رازقهم لزِمَ أن يقال لهم: فما لكم تعبدون من يرزقكم؟ كما قيل لهم في تلك الآية التي مضمونها مضمون هذه:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}.
قوله:(يتلعثمون عنادًا)، أي: يتمكثون ويتكلَّمون. عن الجوهري.
قوله:(وأمَرَه أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام)، قال صاحب ((الانتصاف)): يعني: ألزَمهم الحجة من قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ} إلى هذه الآية. وهذا الإلزامُ وإن لم يَزِدْ على إقرارِهم بألسنتهم لم يتقاصَرْ عنه؛ أمره أن يقول:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} وهذا من الكلام الذي يبادر كل سامع من موافقٍ أو مخالف أن يقول: قد أنصَفك خَصْمُك، وهذا أوْصَلُ إلى الغرض وأقطَعُ للشَّغَبِ وهو تفسيرٌ مُهَذَّبٌ وافتنان مستعذب، فلا يُنكَرُ على الفقهاء قولُهم في المجادَلاتِ: أحدُ الأمرَيْن لازمٌ، فهو غيرُ بعيدٍ من هذا الوادي.
وقلتُ: إنه تعالى لما أمر حبيبَه صلى الله عليه وسلم أولا بأن يُكافِحَهم ويُجيبَهم لقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ}، ثم يسألهم بقوله:{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ويتولى الإجابة والإقرارَ عنهم بنفسِه في قوله: {قُلِ اللهُ} ليؤذنَ أن الذي تمكّنَ في صدورِهم من العنادِ قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق، أمَره بأن يُرخيَ العِنانَ معهم ويقول:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ليناديَ على تماديهم في الضلال، وأنّهم مع علمهم بصحة ما جاء به بعد إقرارِهم به، مُنْغمسون في ضلالٍ ظاهرٍ مكشوفٍ، فالكلام من أوله