تكرّون الإغواء مكرّ الليل والنهار. فإن قلت: لم قيل: (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) بغير عاطف؛ وقيل:(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا)؟ قلت: لأن الذين استضعفوا مرّ أولا كلامهم، فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين، فعطف على كلامهم الأوّل. فإن قلت: من صاحب الضمير في (وَأَسَرُّوا)؟ قلت: الجنس المشتمل على النوعين من المستكبرين والمستضعفين، وهم الظالمون في قوله:(إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ)] سبأ: ٣١ [. يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم، والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين. (فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا)، أى: في أعناقهم، فجاء بالصريح للتنويه بذمهم؛ وللدلالة على ما استحقوا به الأغلال. وعن قتادة: أسروا الكلام بذلك بينهم. وقيل: أسروا الندامة: أظهروها، وهو من الأضداد.
قوله:(فعطف على كلامهم الأول)، أي: على قوله: {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}، وفيه أن المستضعفين تكلموا بكلامَيْن، وأجابهم المستكبرون عن أحدهم دون الآخر لإفحامهم بقوله:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} إلى آخره، ثم كلا الفريقين مكَروا وأسرّوا الندامة حين لم ينفعهم الندم سرًّا.
قوله:(يندم المستكبرون على ضلالهم)، يعني: الضمير في ((أسرُّوا)) راجع في قوله: {إذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} وإنما فسروا {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ} وهو ماض بقوله: ((يندمون)) وهو مضارع ليوافق قوله تعالى: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ}، ولم يعكس لأنه حكاية للحال الآتية استحضارًا لصورة المجرمين وأنهم موقوفون عند ربهم راجعون بعضهم إلى بعض.
قوله:(أسروا الندامة: أظهروها، [وهو] من الأضداد) عطف على قوله: ((يندم المستكبرون))، فعلى الأول أضمر الفريقان الندامة وأخفوها مخافة التعبير، والثاني الوجه، لأن التعبير واقع وقد علم من قوله:{يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} ذلك وقيل: أسرَّ إذا ثبت له الخفاء، وأسَرّه أزال عنه الخفاء ونظيره. أشكيتُه، أي: أثبتَّ له الشكاية أو أَزْلتُها عنه، وأنشد المصنِّف لنفسه: