للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مكة، وكادوه بنحو ما كادوه به، وقاسوا أمر الآخرة الموهومة أو المفروضة عندهم على أمر الدنيا، واعتقدوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم، ولولا أنّ المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم؛ فعلى قياسهم ذلك قالوا: (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ): أرادوا أنهم أكرم على الله من أن يعذبهم؛ نظرا إلى أحوالهم في الدنيا.

[قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)] ٣٦ [

وقد أبطل الله تعالى حسبانهم بأنّ الرزق فضل من الله يقسمه كما يشاء على حسب ما يراه من المصالح، فربما وسع على العاصي وضيق على المطيع، وربما عكس، وربما وسع عليهما وضيق عليهما، فلا ينقاس عليه أمر الثواب الذي مبناه على الاستحقاق. وقدر الرزق: تضييقه. قال تعالى: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)] الطلاق: ٧ [وقرئ: "يقدّر" بالتشديد والتخفيف.

(وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ)] ٣٧ - ٣٨ [

أراد: وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم (بالتي تقربكم)، وذلك أنّ الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث، ويجوز أن يكون "التي" هي التقوى، وهي المقربة عند الله زلفى وحدها، أى: ليست أموالكم بتلك الموضوعةِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (((يَقدِرُ)) بالتشديد والتخفيف)، بالتخفيف: مشهورة، وبالتشديد: شاذة.

قوله: (ويجوز أن يكون ((التي)) هي التقوى)، يعني: عبر عن التقوى بقوله: {بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى} كناية، كأنه قيل: وما أموالُكم ولا أولادُكم بالتقوى، لأن التقوى هي المقرِّبة عند الله زلفى وَحْدَها؛ يدل عليه قوله: ((ليسَت أموالكم بتلك الموضوعة للتقريب)) أي: وضعَ الشارعُ لفظة التقوى بإزاء معنى التقريب، كما أن صاحبَ اللغة وضعَ الألفاظَ

<<  <  ج: ص:  >  >>