شيئًا فخذه، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئًا، ولكنه يريد به البت؛ لتعليقه الأخذ بما لم يكن. والثاني: أن يريد بالأجر ما أراد في قوله تعالى: (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا)] الفرقان: ٥٧ [، وفي قوله:(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)] الشورى: ٢٣ [؛ لأنّ اتخاذ السبيل إلى الله نصيبهم وما فيه نفعهم، وكذلك المودّة في القرابة؛ لأنّ القرابة قد انتظمته وإياهم. (عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ): حفيظ مهيمن، يعلم أنى لا أطلب الأجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه، ولا أطمع منكم في شيء.
بحيث لا يشذُّ منه شيء، فلذلك يقال: هو بمعنى مجموعًا، يقال: ما تركتُه أصلاً ورأسًا، أي: بالكُلّية، ويجوز أن يكونَ مصدرًا، أي: نَفْيًا كُلّيًا، كأنه قيل: تَنبَّهوا فاعلموا أني أي شيء أسألكم عليه من الأجر فذلك الشيء حقكم وملككم، وليس لي في ذلك من حق، وأنا مقرٌّ بذلك معترفٌ به فهو أبلغ من لو قيل: ما أسألكم عليه من أجر، وهو المراد من قوله:((يريد به البتَّ والقَطع)).
قوله:(لتعليقِه الأخْذَ بما لم يكُنْ)، يعني: عَلَّق الجزاءَ وهو الأخذُ بما لم يكُن وهو الإعطاءُ، وهو أبلغُ من مجردِ قولك: ما أعطيتَني شيئًا، لأنه تقريرٌ للخصمِ وإقرارٌ منه بأنّه ما أعطاك شيئًا، لأن له أن يقول: كيفَ آخُذُ ما لم أعْطِك، فَينبغي الإعطاء بانتفاءِ الأخذ على البت.
قوله:(والثاني: أن يريد بالأجر ما أراد في قوله: {قُل لَّا أَسْئَلُكُمْ})، يعني: إن كان أجري هدايَتكم وسلوكَ طريقِ الحقِّ فأنا أطلبُ منكم ذلك، وقد علِمْتُم أنّ نَفْعَ ذلك لا يعود إلاّ إليكم، وكذلك معنى الآية: الذي أسألكم من أجر هو إيمانُكم وهدايتُكم وقد عرفتُم أن نفع ذلك ليس إليّ، يدل عليه قوله:{إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} فـ ((ما)) في قوله: {مَا سَأَلْتُكُم} على الأول: شرطية، وعلى هذا: موصولة.
قوله:(لأن القرابةَ قد انتظمته وإياهم)، يعني: أجري أن تَصِلوا الرحِمَ، وهذا المعنى غير مختص به، لأنه وإياهم سواء في هذا الحكم، لأن أقاربه أقاربهم ويرجعُ نفع ذلك إليهم.