إن أراد بالتوبة الهداية لها والتوفيق فيها، وهو الذي أراده ابن عباس رضى الله عنهما -إن قاله- فمقبول؛ وإن أراد أنه إن شاء أن يتوب العاصي تاب، وإن لم يشأ لم يتب؛ فمردود؛ لأنّ الله تعالى يشاء التوبة أبدًا، ولا يجوز عليه أن لا يشاءها. (مِنْ بَعْدِهِ): من بعد إمساكه، كقوله تعالى:(فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ الله)] الجاثية: ٢٣ [، (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله)] الجاثية: ٦ [، أى: من بعد هدايته، وبعد آياته. (وَهُوَ الْعَزِيزُ): الغالب القادر على الإرسال والإمساك، (الْحَكِيمُ) الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه.
[(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)] ٣ [
ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط، ولكن به وبالقلب، وحفظها
قلت: ليسَ التعريفُ في الناسِ الثاني كما في الأول، لأنّه للجنس، والثاني للعَهد، وأنَّ المرادَ بالناسِ قَوْمٌ بأعيانِهم وهم قريشٌ، كما قال ابنُ عباس: هم قريشٌ، كما ابنُ عباس: هم أهلُ مكةَ أنعمَ الله عليهم بالنعمةِ الظاهرةِ لتكونَ وسيلةً إلى تحصيلِ الباطنة، فكفَروا بالمُنعمِ وغَمَطوا تلك النعمةَ، فوبَّخَهم سُبحانه وتعالى عليها بهذه الآية؛ يدلُّ عليه الترتُّبُ في قولِه:{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، ثم تعقُّبه بقَوْلِه:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ}، والله أعلم.
قولُه:(لأنَّ الله يشاءُ التوبةَ أبدًا، ولا يجوزُ عليه أن لا يشاءَها)، مَردودٌ باطلٌ لِما أجمع سَلَفُ الأمةِ وخَلَفُها على كلمةٍ لا يجحَدُها أهلُ الإسلام، وهي:((ما شاءَ الله كانَ ولما لم يَشا لم يكُن)) وقال تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: ١٢٥].
قولُه:(حِفْظُها)، عَطْفٌ على مُضْمَرٍ بعْدَ ((لكن))، أي: ولكن ذِكْرُها باللسانِ وبالقَلْبِ وحِفْظُها عن الكُفران. وقولُه:((واعترافٍ بها))، عَطْفٌ على ((معرفةِ حَقِّها)) أي: وشُكْرُ