وعد الله: الجراء بالثواب والعقاب. (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ) فلا تخدعنكم (الدُّنْيا) ولا يذهلنكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله. (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الْغَرُورُ): لا يقولن لكم: اعملوا ما شئتم فإن الله غفور يغفر كل كبيرة ويعفو عن كل خطيئة. والغرور: الشيطان؛ لأن ذلك ديدنه. وقرئ بالضم وهو مصدر غره، كاللزوم والنهوك أو جمع غارّ، كقاعد وقعود. أخبرنا عز وجل:
قولُه:(لا يقولَنَّ لكم: اعمَلوا ما شئتم، فإنّ الله غَفورٌ يغفرُ كلَّ كبيرة، ويعفو عن كلِّ خطيئة)، الانتصاف: يُعرِّضُ باعتقادِ أهلِ السنّةِ، وهذا لا يناقضُ مُعتقَدهم، فإنَّ الله وعَدَ العفْوَ على الكبائرِ، وقرنَ الوعيدَ بالمشيئةِ في حقِّ الموحِّدين، في مثْلِ قوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}[النساء: ٤٨].
قولُه:(والغَرور: الشيطانُ؛ لأنّ ذلك دَيْدَنُه)، الراغب: غررْتُ فُلانًا: أصَبْتُ غِرَّتَه ونِلْتُ منه ما أريده، فالغِرّةُ غَفْلَة في يَقظة، والغِرارُ مع غفوة. وأصلُ ذلك من الغُرِّ وهو الأثرُ الظاهرُ من الشيءِ، ومنه: غُرّةُ الفَرس، وغِرارُ السيفِ: حَدُّه، وغَرُّ الثوبِ: أثَرُ كَسْره، وقيل: اطْوِه على غَرِّه. وغَرَّه كذا غرورًا كأنّما طواهُ على غَرِّهِ، قال تعالى:{مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار: ٦]، {وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، فالغَرورُ: كلّ ما يَغُرُّ الإنسانَ من مالٍ وجاهٍ وشَهْوةٍ وشيطان، وقد فُسِّرَ بالشيطانِ إذْ هو أخبَثُ الغارِّين، والغَرر: الخَطَر من الغَرّ، وباعتبارِ غُرّةِ الفَرسِ وشُهرتِه قيل: فُلانٌ أغَرٌّ؛ إذا كان مشهورًا كريمًا، ويُقال: الغُرَرُ لثلاثِ ليالٍ من أوّلِ الشهرِ لكون ذلك منه كالغرة.
قولُه:(وقُرِئَ بالضمِّ وهو مَصْدر)، وعن بعضِهم: الغُرور بالضمّ: الأباطيل، وفُعولٌ في الأفعالِ المتعدية قليل، منه: لزِمَه لُزومًا، ونَهَكَه المرضُ نُهوكًا.