الذي كنا نحسبه صالحًا فنعمله. (أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ) توبيخ من الله، يعنى: فنقول لهم. وقرئ:(ما يذكر فيه من أذكر) على الإدغام، وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر؛ إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة". وعن مجاهد: ما بين العشرين إلى الستين. وقيل: ثماني عشرة وسبع عشرة. و (النَّذِيرُ): الرسول. وقيل: الشيب. وقرئ:(وجاءتكم النذر). فإن قلت: علام عطف (وجاءكم النذير)؟
قلت: على معنى: (أو لم نعمركم)؛ لأن لفظه لفظ استخبار. ومعناه معنى إخبار، كأنه قيل: قد
قولُه:({أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم} توبيخٌ من الله)، يعني: فنقولُ لهم، أي: يقولُ الله لهم ذلك موبِّخًا. قالَ الزجاج: معناه: أو لم نُعَمِّرْكم العُمرَ الذي يتذكَّر فيه مَنْ تذكَّر.
وقال ابن الحاجب:{مَّا} لا يستقيمُ أن تكونَ نافيةً من حيثُ اللفظ ومن حيث المعنى. وأما اللفظُ فلأنها يجبُ قَطْعُها عن {نُعَمِّرْكُم}، لأنه لا يجوزُ أن يكونَ النفيُ من معمولهِ، وأيضًا فإنَّ الضمير في {فِيهِ} يرجع إلى غير مذكور. وأما المعنى: فلأن قوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم} إنما سيق لإثباتِ التعميرِ وتوبيخِهم على تركِهم التذكيرَ فيه، فإذا جُعِلَ نفيًا كان فيه إخبارٌ عن نفيِ تذكُّرِ متذكِّر فيه فظاهرُه على ذلك نَفْيُ التعمير؛ لأنه إذا كان زمانًا لا يتذكَّرُ فيه متذكِّرٌ لزِمَ أن لا يكون تعميرًا وهو خلافُ قولِه:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم}.
قولُه:(العُمْرُ الذي أعذرَ الله فيه) الحديثُ من رواية البخاري عن أبي هريرة قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعذَرَ الله إلى امرئٍ أخّر أجلَه حتى بلغ ستين سنة)).
النهاية: أي: لم يُبْقِ فيه موضعًا للعتذارِ حيث أمهَلَه طولَ هذه المدةِ ولم يَعْتَذر. يقال: أعذَرَ الرجلُ؛ إذا بلغ أقصى الغايةِ في العُذْر.