مجرد الإخبار، وإنما الغرض أنه صلوات الله عليه وسلامه مستقر فيه ثابت عليه، وأنه جادته بل هو عادته.
وقال المصنف في قوله تعالى:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ}[يس: ١٤]: "وإذا كان الكلام منصبًا إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض مطرح".
وأما الجواب عن الثاني فعلى التجريد. قال ابن جني - في قراءة الحسن:"اهدنا صراطًا مستقيمًا"-: أراد -والله أعلم- التذلل لله تعالى وإظهار الطاعة له، أي: قد رضينا منك يا ربنا بما يقال له: "صراطٌ مستقيم"، ولسنا نريد المبالغة في قول من قال:"اهدنا الصراطَ المستقيم" أي: الصراط الذي قد شاعت استقامته وتعولمت في ذلك طريقته، فإن قليل هدايتك لنا زاكٍ؛ وزاد في حسن التنكير ما دخله من المعنى، وهو أدم هدايتك لنا فإنك إذا فعلت ذلك بنا فقد هديتنا إلى صراط مستقيم، فجرى حينئذ مجرى قولك: لئن لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلقين منه رجلًا متناهيًا في الخير، ورسولًا جامعًا لسبل الخير، فقد آل إلى معنى التجريد، وأنشد أبو علي:
أفاءت بنو مروان ظلمًا دماءنا … وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل
والله تعالى أعرف المعارف، وقد سماه الشاعر حكمًا عدلًا، فأخرج اللفظ مخرج التنكير، فقد ترى كيف آل الكلام من لفظ التنكير إلى معنى التعريف، وعليه قوله عز اسمه:{وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}[النساء: ٦٨]. وإليه ينظر قول "المصنف": "على أنه أرسل من بين الصرط المستقيمة على صراط مستقيم لا يكتنه وصفه" كأنه جعل الصراط المستقيم الصرط كلها، ثم جرد منها صراط مستقيم وهو هي، والله أعلم.