للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من كد بني آدم، وأصله من ثمرنا كما قال: {وَجَعَلْنَا} [المائدة: ١٣٠]، {وَفَجَّرْنَا} [الكهف: ٢٣]، فنقل الكلام من التكلم إلى الغيبة على طريقة الالتفات. ويجوز أن يرجع إلى النخيل، وتترك الأعناب غير مرجوع إليها؛ لأنه علم أنها في حكم النخيل فيما علق به من أكل ثمره. ويجوز أن يراد: من ثمر المذكور؛ وهو الجنات، كما قال رؤبة:

فيها خطوط من بياض وبلق .... كأنه في الجلد توليع البهق

فقيل له، أردت: كأن ذاك. ولك أن تجعل "ما" نافية، على أن الثمر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (على طريقة الالتفات) ليس هذا من مظان الالتفات، لأن القصد في جعل الجنات وتفجير العيون إخرج الثمر المأكول، فكان التمكن على الأكل أولى بالتفخم لأنه أدل على الامتنان، وأنت تعلم الفرق بين ضمير الإفراد والجمع للواحد المطاع، بل الضمير راجع إلى المذكورات ليكون على وزان قوله: {وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًا فَمِنْهُ يَاكُلُونَ} ويظهر التفاوت بين ذلك المأكول وبين هذا من تقديم المعمول وتأخيره عن العامل، ثم جعل "ما" نافية أحرى مما تجعل موصولة لإيراد قوله: {أَفَلا يَشْكُرُونَ} على التقريع والتوبيخ، وأيضًا يلزم من الموصولة أن يكونوا مستقلين في ذلك العمل، وليس فيه لله تعالى أثر، كقوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: ٧١] لأن التركيب من باب قولهم: أخذته بيدي ورأيته بعيني، وذلك ينافي أن يكون قوله: {أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًا فَمِنْهُ يَاكُلُونَ} إلى آخر الآيتين، بيانًا لقوله: {وآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ}، والله أعلم.

قوله: (ويجوز أن يرجع إلى النخيل) عطف على قوله: "والضمير لله". الجوهري: النخل والنخيل بمعنى، والواحدة نخلة.

قوله: (فيها خطوط) البيت، التوليع: ظهور النقط البيض على الشيء، والمولع كالملمع إلا أن التوليع استطالة البلق. قال أبو عبيدة: قلت لرؤبة: إن أردت الخطوط فقل: كأنها، وإن أردت البياض والبلق فقل: كأنهما، فقال: كأن ذلك ويلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>