لو شاء الله لأغنى فلانًا، ولو شاء لأعزه، ولو شاء لكان كذا؛ فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله. ومعناه: أنطعم المقول فيه هذا بينكم؟ وذلك أنهم كانوا دافعين أن يكون الغنى والفقر من الله؛ لأنهم معطلة لا يؤمنون بالصانع. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان بمكة زنادقة، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا: لا والله، أيفقره الله ونطعمه نحن؟ ! وقيل: كانوا يوهمون أن الله تعالى لما كان قادرًا على إطعامه ولا يشاء إطعامه فنحن أحق بذلك. نزلت في مشركي قريش حين قال فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطونا مما زعمتم من أموالكم أنها لله، يعنون قوله:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا}[الأنعام: ١٣٦]، فحرموهم وقالوا: لو شاء الله لأطعمكم.
{إنْ أَنتُمْ إلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} قول الله لهم. أو حكاية قول المؤمنين لهم. أو هو من جملة جوابهم للمؤمنين.
قوله:(أنطعم المقول فيه هذا القول)، فـ {مَنْ} موصولة، وصلته الجملة الشرطية، ولذلك أوله بالمقول فيه، وجعل المجموع في تأويل المفعول به لقوله {أَنُطْعِمُ}، والظاهر أن الصلة مفتقرة إلى التأويل، كما قال في قوله تعالى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً}[النساء: ٩]: ما معنى وقوع "لو تركوا" وجوابه صلة لـ {الَّذِينَ}؟ وأجاب: معناه: ليخش الذين صفتهم وحالهم أتهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافًا. ويمكن أن يقال: إن الصلة والموصول كشيء واحد، فلذلك جاز تأويله بالموصولة تارة والصلة أخرى بذاك.
قوله:(ولا يشاء إطعامه فنحن أحق بذلك) قال القاضي: هذا من فرط جهالتهم، فإن الله يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم له.