وروينا في "مسند الإمام أحمد بن حنبل" وأبي داود عن معقل بن يسار، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اقرؤوا سورة {يس} على موتاكم".
قال الإمام: وذلك أن اللسان حينئذ ضعيف القوة والأعضاء ساقطة المنة، لكن القلب قد أقبل على الله بكليته، فيقرأ عليه ما تزداد قوة قلبه، ويشتد تصديقه بالأصول، فهو إذن عمله.
وقلت -والعلم عند الله-: إن هذه السورة الكريمة من فاتحتها إلى خاتمتها في تقرير أمهات علم الأصول وجميع المسائل المعتبرة التي أوردها العلماء في مصنفاتهم بأبلغ وجه وأتمه: فقوله تعالى: {يس * والْقُرْآنِ الحَكِيمِ} وقوله: {تَنزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ} في إثبات المعجزة، فإن الحكيم بمعنى مفعل؛ أي: المحكم المتقن الرصين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فهو محكم في نفسه، فلو حام حوله سمة الحدوث ووصمة العدم لم يكن محكمًا في نفسه، ولم يكن تنزيلًا من عزيز رحيم، ومحكم في ترصيفه وتركيبه، فلو عورض لمثله لم يكن محكمًا في ترصيفه وترتيبه ولم يكن منزلًا من لدن عزيز رحيم.
وقوله:{إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ} إلى قوله: {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ} في بيان المسائل المعتبرة في النبوات من التبليغ والبشارة والنذارة وكيفية دعوة الأمة واستعمال اللين والرفق فيها وعدم الطمع في الأجر، وأحوال الأمم وقبول البعض وإباء الآخرين، وبيان خاتمة السعداء منهم والأشقياء، وقوله:{لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} في