القاضي: وهي مشتملة على الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم، والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء. ويمكن أبسط من هذا بأن يقال: إنها مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين:
أحدها: علم الأصول، ومعاقده: معرفة الله وصفاته، وإليها الإشارة بقوله:(لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ومعرفة النبوات وهي المرادة بقوله: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، ومعرفة المعاد وهو المومى إليه بقوله:(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
وثانيها: علم الفروع، وأسه العبادات، وهو المراد بقوله:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ).
والعبادات: بدنية ومالية، وهما مفتقرتان إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات، ولابد لها من الحكومات، فتمهدت الفروع على هذه الأصول.
وثالثها: علم ما به يحصل الكمال، وهو علم الأخلاق. وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والالتجاء إلى جناب الفردانية، والسلوك لطريقه والاستقامة فيها، وإليه الإشارة بقوله:(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).
ورابعها: علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة والقرون الخالية: السعداء منهم والأشقياء، وما يتصل بها من وعد محسنهم، ووعيد مسيئهم، وهو المراد بقوله:(أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ). ونبين هذا المعنى مزيد كشف إذا شرعنا في تفسيرها على هذا النمط، فليكن على ذكر منك ليكون حاكماً فيصلاً.