{الْمَلَأُ}: أشرف قريش، يريد: وانطلقوا عن مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجواب العتيد، قائلين بعضهم لبعض:{امْشُوا وَاصْبِرُوا} فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد، {إِنَّ هَذَا} الأمر {لَشَيْءٌ يُرادُ} أي: يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه، وما أراد الله كونه فلا مرد له، ولا ينفع فيه إلا الصبر، أو: إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا، فلا انفكاك لنا منه، أو إن دينكم لشيء يراد، أي: يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه. و {أَنْ} بمعنى أي: لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم، فكان انطلاقهم مضمنا معنى
على هذه الحال محال أن يكونوا مبطلين ويكون الإنسان الواحد محقا، فلعمري لو كان التقليد حقا لكانت هذه الشبهة لازمة.
قوله:(أو إن دينكم لشيء يراد)، تبعه الإمام في الوجود الثلاثة. فإن قيل: مقتضى النظم أن يكون المشار إليه المشي والصبر على آلهتهم، أي: هذا هو المطلوب الآن، ومن ثم عقبوه بقوله:{ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ} إذا لو قيل: إن هذا لشيء يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه لم يستقم {إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ}؟ أجيب: أن هذا القول صدر عنهم من الحسد، كما نص عليه المصنف، ألا يرى كيف أردفوه بقوله:{أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا} أي: القرآن؛ لأن القوم معاندة.
قوله:(وتغلبوا عليه)، الأساس: غلبته على الشيء: أخذته منه، وهو مغلوب عليه. ويقال: أيغلب أحدكم أن يصاحب الناس معروفًا؟ أي: أيعجز؟
قوله:(لأن المنطلقين عن مجلس التقاول) يعني: الواجب أن يجعل {أَنْ} مفسرة؛ لأن {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ} متضمن لمعنى القول على العادة المألوفة، وإنما قلنا: المألوفة؛