لفقدان العامل، لم يخل التقدم بتعلقها بالحسنة فيكون بيانًا لمكانها أي: مكان الحسنة على نحو {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}[يوسف: ٢٠] كأن قائلًا لما سمع {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} سأل: أين هي؟ قيل: في هذه الدنيا.
قوله: (ومعنى "أرض الله واسعة")، المبتدأ، والخبر:"أن لا عذر"، و "حتى" غاية "أن لا عذر"، وهي التي تدخل على الجملة، والجملة هي الشرطية، أعني:"إن اعتلوا" مع جزائه، وهو "قيل لهم: فإن أرض الله واسعة" إلى آخره.
فإن قلت: من أين أفاد {أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ} هذه المعاني المتكاثرة؟ قلت: من حيث اتصاله بالكلام السابق، وذلك أن جملة قوله:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} مع ما اتصل به من قوله: {أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ} مستأنفة تعليل للأمر بالتقوى، إنما قيد الفعل بالظرف وهو {فِي هَذِهِ الدُّنْيَا} للإشعار بأن الدنيا مكان الإحسان ومزرعة لحرث الآخرة، فأريد تتميم ذلك المعنى فقيل:{أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ} لئلا يعتذر العامل لتفريطه في الأعمال بالاعتلال بالأوطان، وأنه لم يكن متمكنًا من التوفر على الإحسان في أرضه كأنه قيل لهم: اتقوا ربكم فيما تأتون به وتذرون، وتيقنوا بحصول أمرين: جزاء الإحسان وفسحة المكان فتهاجروا وتحولوا إن لم تتمكنوا من التقوى في أرضكم، ثم اتجه لهم أن يسألوا ويقولوا: فماذا يكون بعد تلك الحسنة لنا من الأجر حينئذ؟ فأجيبوا {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} يعني: أن الله تعالى وفي أجر من سبق عليكم من الأنبياء والصالحين بصبرهم على مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانًا إلى إحسانهم وطاعةً إلى طاعتهم، فلكم الأجر وتوفيته إذا اقتفيتم أثرهم واقتديتم بهداهم، هذا التأويل إنما يحسن إذا علق الظرف بـ {أَحْسَنُوا} لا بـ {حَسَنَةٌ} ومن ثم كان الوجه الثاني مرجوحًا لا لما قاله مكي، والأول أحسن؛ لأن الدنيا ليست بدار جزاء؛ لأن المعنى حينئذ: لهم في هذه الدنيا الصحة والعافية، وفي الآخرة يوفون أجورهم كاملة. وعلى الأول المعنى: أن لهم وراء دخول الجنة مالا عين رأت