وقلت: تفسير المصنف آذن بالعذاب الواقع في الدنيا مهتم بشأنه معقود به الهمة؛ لأن المعنى: فذاك مناك ومطلوبك، وأما الأخروي فلا بد من كينونته.
وتفسير القاضي دل على أن الاهتمام ببيان الأخروي والدنيوي إن وقع أو لم يقع سواء، والمصنف فسر ما في "الرعد" بما يوافق تفسير القاضي، حيث قال:" {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما أوعدناهم من إنزال العذاب عليهم، أو توفيناك قبل ذلك فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب وعلينا لا عليك حسابهم وجزاؤهم"، حيث جعل "أريناك" و"توفيناك" بيانًا لأحوال الدائرة، وأوقع قوله:"فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب" المعبر عن قوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ}[الرعد: ٤٠] جزاءً للشرط.
فإن قلت: ما الفرق؟ قلت: بين المقامين بون بعيد؛ لأن الجزاء في "الرعد" مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ودال على الردع عن توقع الحساب والعقاب، وأن عليه تبليغ الرسالة فحسب، والجزاء ها هنا مختص بالكفار، ولذلك ما جوز أن يكون جوابًا لقوله:{نُرِيَنَّكَ} ولا له ولقوله: {نَتَوَفَّيَنَّكَ} معًا؛ لأن هذا المقام مقام التسلية والتصبير على أذى القوم، والتشفي عنهم مطلوب، ولا سيما قد فازوا بمباغيهم يوم بدر، وقضية النظم يساعد هذا التقرير، وذلك أن قوله:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} متصل بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ} وقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تهديد ووعيد لهم على مجادلتهم وتكذيبهم، و {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ} ظرف {يَعْلَمُونَ} أي: لم تتعجب من حال هؤلاء المعاندين ومجادلتهم وكفرهم مع ما يفعل بهم من النكال إليه؟ فسوف يعلمون هم سوء عاقبة