{وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا}، ولم يقل: لتأكلوا منها، ولتصلوا إلى منافع؟ أو هلا قال: منها تركبون، ومنها تأكلون وتبلغون عليها حاجة في صدوركم! قلت: في الركوب: الركوب في الحج والغزو، وفي بلوغ الحاجة: الهجرة من بلد إلى بلد لإقامة دين أو طلب علم؛ وهذه أغراض دينية إمّا واجبة أو مندوب إليها مما يتعلق به إرادة الحكيم. وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المباح الذي لا يتعلق به إرادته، ومعنى قوله: {وَعَلَيْها وَعَلَى
أحدهما: تشبيه الجمال بالسفن، قال في سورة "المؤمنين": وقرنها بالفلك التي هي السفائن؛ لأنها سفائن البر.
وثانيهما: إدخال منة أخرى في هذه المنن على سبيل الاستطراد، وإنما خولف بين العبارات للتفنن ولاختلاف أغراض الناس، فإن الناس في الحضر لا يهتمون بشأن الركوب اهتمامهم في السفر، فأجرى الركوب على الظاهر، وغير في قوله:{وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}[المؤمنون: ٢٢] وإنما غير النظم في الأكل؛ لأنه في حيز الضرورة-كما قال القاضي- أو لرعاية الفواصل وهو الوجه؛ إذ لو جيء على ظاهره لاختلت، وكذلك جرى في الفاصلة الآتية.
وأما قوله:{وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ} فكالتابع للأكل، فأجري مجراه، كما قال صاحب "الانتصاف"، ولما اشتمل {وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} على تلك الفوائد المتكاثرة جعله مستقلًا في الغرض بإعادة اللام ونكر الحاجة وقرنها بقوله: {فِي صُدُورِكُمْ}، تأكيدًا كما في قوله تعالى:{الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦] وقوله: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل: ٢٦] وفي تخصيصه الأنعام ها هنا بالإبل وتفسيره قوله: {وَمِنْهَا تَاكُلُونَ}[النحل: ٥] في "النحل" بان تقديم الظرف للاختصاص، وأن الأكل منها هو الأصل إلى آخره، وليس له العذر إلا مراعاة الفواصل. والله أعلم بمراده من كلامه.