فإن قلت: فما رافع اسم الله على هذه القراءة؟ قلت: ما دلّ عليه {يوحي}، كأن قائلًا قال: من الموحي؟ فقيل: الله، كقراءة السلمي:"وكذلك زُين لكثير من المشركين قتلُ أولادِهم شركاؤهم" على البناء للمفعول ورفع شركائهم، على معنى: زينه لهم شركاؤهم. فإن قلت: فما رافعه فيمن قرأ "نوحي" بالنون؟ قلت: يرتفع بالابتداء.
و{العَزِيزُ} وما بعده: أخبار، أو {الْعَزِيزُ الحَكِيمُ}: صفتان، والظرف خبر.
قرئ:{تَكَادُ} بالتاء والياء. و"ينفطرن"، و {يَتَفَطَّرْنَ}،
قوله:(كأن قائلًا قال: من الموحي؟ فقيل: الله): فإن قلت: في أمثال هذا السؤال: إنما يعيدون الفاعل مع الفعل ليقع المرفوع فاعلًا لفعل محذوف، كما فعل أبو البقاء وقال:"و {اللهُ} فاعل لفعل محذوف، كأنه قيل: من يوحي؟ فقيل: الله"، وقدروا في قوله:{يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ}[النور: ٣٦ - ٣٧]: من يسبح؟ فأجيب: رجال، أي: يسبح رجال. وكذا في قوله:{زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ}[الأنعام: ١٣٧]: من زينه؟ فأجيب: زينه لهم شركاؤهم، فما له أوقع السؤال: من الموحي؛ ليجاب: الله، على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: الموحي الله؟
وأجيب: أن هذا التقدير إنما نشأ من الفعل المضارع ودلالته على الاستمرار كما مر، فأوجب ذلك أن يجاء في السؤال بما يجاب عنه بالدوام، ويمكن أن يقال: أن تلك الأمثلة السؤال فيها عن فاعل مجهول، بخلافه في هذا المقام، فإنه لما قيل:{كَذَلِكَ يُوحِي إلَيْكَ} لم يخف على أحد أن الموحي من هو؟ فلا يكون السؤال عن تعيين الموحي، بل ليجاب بما ينبئ عن المدح والتعظيم، ومن ثم قرن اسم الذات بذكر صفات تتضمن معنى الجلال والكبرياء، ثم عقب بالتنزيه البليغ. لله در المصنف ولطيف عباراته، ولو قال:"من يوحي؟ " لفات كل هذه الفوائد.
قوله:(وقرئ: {تَكَادُ} بالتاء والياء): بالياء التحتانية: نافع والكسائي، والباقون: بالتاء. و"ينفطرن" بالنون: أبو بكر وأبو عمرو، والباقون: بالتاء الفوقانية.