وعن بعضهم: من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه، وأنّ ما عفا عنه مولاه أكثر، كان قليل النظر في إحسان ربه إليه. وعن آخر: العبد ملازم للجنايات في كل أوان، وجناياته في طاعاته أكثر من جناياته في معاصيه، لأنّ جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه، والله يطهر عبده من جناياته بأنواع من المصائب، ليخفف عنه أثقاله في القيامة، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أوّل خطوة.
وعن علي رضي الله عنه وقد رفعه:«من عفي عنه في الدنيا عفي عنه في الآخرة، ومن عوقب في الدنيا لم تثن عليه العقوبة في الآخرة»، وعنه رضي الله عنه:«هذه أرجى آية للمؤمنين في القرآن».
{بِمُعْجِزِينَ} بفائتين ما قضي عليكم من المصائب، {مِنْ وَلِيٍّ} من متول بالرحمة.
قوله:(وجناية الطاعة من وجوه): منها: لا تخلو قط من نوع خلل فيها، ومنها: حصول الثواني، والتقصير في الأداء، ومنها: إعواز حضور القلب المطلوب منها، ومنها: شوائب الرياء التي هي أطعمها، ومنها: ما يلحقها من استعظام النفس والترفع.
قوله:(وعن علي رضي الله عنه، وقد رفعه) الحديث: من رواية الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده" عن علي رضي الله عنه: "ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله؟ حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ {ومَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَن كَثِيرٍ}، وسأفسرها لك يا على: ما أصابك من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني عليهم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله عنه في الدنيا، والله أعظم أن يعود بعد عفوه".
قوله:(من متول بالرحمة): قيد {وَلِيٍّ} بـ"الرحمة" لما قيد {بِمُعْجِزِينَ} بـ"المصائب"؛