وقيل: كتاب الله: القرآن نبذوه بعدما لزمهم تلقيه بالقبول. (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنه كتاب الله لا يدخلهم فيه شك، يعني: أن علمهم بذلك رصين، ولكنهم كابروا وعاندوا. ونبذه وراء ظهورهم مثل لتركهم وإعراضهم عنه،
وكذا قال في قوله تعالى:(وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)[الصافات: ١٤٧] أي: بل يزيدون، وقال ابن جني: لا يجوز أن يكون سكون الواو على أنها حرف عطف كقراءة الكافة، لأن حرف العطف لم يسكن، وإنما يسكن ما بعدها في نحو:(وَهُوَ اللَّهُ)[الأنعام: ٣].
قوله:(وقيل: كتاب الله: القرآن) يعني: كتاب الله مظهر أقيم مقام المضمر الدال عليه (مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ) فإن أريد المصدق كان القرآن، وإن أريد لما معهم كان التوراة.
قوله:(لا يدخلهم فيه شك) قيل: هو خبر بعد خبر لأن، أي: كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله، ولا يعلمون أنه بريء من أن يحوم الشك حوله، أو في تأويل مصدر، أي: كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله علم تحقيق، أو حال من فاعل "لا يعلمون"، أي: كأنهم لا يعلمون في حال يقينهم.
قوله:(أن علمهم بذلك رصين) فإن قلت: من أين استفاد هذا التوكيد ورصانة العلم؟
قلت: من وضع "الذين أوتوا الكتاب" موضع الضمير، يعني عرفوه حق معرفته لما قرؤوا في كتابهم نعته، ودارسوه حتى استحكم بذلك علمهم. وكذا في اختصاص كتاب الله ووضعه موضع ضمير ما دل عليه (مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ) للدلالة على عظم ما ارتكبوه، وأن المنبوذ كتاب الله المجيد.
قوله:(مثل لتركهم وإعراضهم) يعني شبه تركهم كتاب الله وإعراضهم عنه بحالة شيء يرمى به وراء الظهر. والجامع عدم الالتفات وقلة المبالاة، ثم استعمل هنا ما كان مستعملاً