تعالى وإن أراد كفر الكافر فإنه لا يرضاه، وتقديره الكافر على الكفر لا يكون عن رضًا منه".
ومآل هذين القولين يرجع إلى أن التكذيب في قوله:{إنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُونَ} راجع إلى مؤدى قوله: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ}، لا إلى معناه الظاهر.
وقال صاحب "الفرائد": "لأهل السنة فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنهم ادعوا أن الله أمره بعبادة الملائكة، وقالوا: لو شاء أن لا نعبد لنهانا، فإذا لم ينهنا عنها فقد أمرنا. وثانيها: لو شاء الله أن لا نعبدهم لمنعنا عن عبادتهم منع قهر واضطرار، وإذا لم يفعل ذلك فقد أباح لنا. وثالثها: أنهم قالوا هذا القول استهزاءً بقول أهل الحق: أن الكائنات كلها بمشيئة الله تعالى، وحين لم يعتقدوا بما قالوا، فأكذبهم الله فيه وجهلهم، كما أخبر عنهم:{أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}[يس: ٤٧]، هذا حق في الأصل، ولكن قالوا ذلك استهزاء، فأكذبهم بقوله:{إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[يس: ٤٧]، وكذلك قوله:{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، ثم قال:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون: ١]، فقولهم:{مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُونَ}: معناه: ليس لهم عليه حجة، وهو جهل منهم وكذب.
أما قوله:"لا دليل على أنهم قالوه مستهزئين": قفي غاية البعد، لأنه قد دل الدلائل عليه، منها قوله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة: ٢٥٣]، وأمثال هذا من المنقول وغيره كثير".
وقال صاحب "التقريب": "قالوا: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم} على الاستهزاء، ولو قالوه جادين كانوا مؤمنين؛ لما ثبت في الأصول من توقف الأمور على مشيئة الله، وحمله على الاستهزاء لهذا الدليل دون ما قبله ليس فيه تعويج".