أن الرسل لم يكونوا إلا رجالًا من أهل القرى، جاءوا بالإنكار من وجه آخر، وهو تحكمهم أن يكون أحد هذين، وقولهم:{هَذَا الْقُرْآنُ} ذكر له على وجه الاستهانة به، وأرادوا بعظم الرجل: رئاسته وتقدّمه في الدنيا، وعزب عن عقولهم أن العظيم من كان عند الله عظيمًا.
إن محمدًا لصادق، وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟
وقال القاضي:"زعموا أن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم، ولم يعملوا أنها رتبة روحانية، تستدعي عظم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية، لا التزخرف بالزخارف الدنيوية".
قوله:(وقولهم: {هَذَا القُرْآنُ} ذكر له على وجه الاستهانة): "قولهم": مبتدأ، و "ذكر له": خبره، والاستهانة تفهم من لفظه "هذا"، ومن تسميته بـ "القرآن"، كقوله فرعون:{إِنَّ رَسُولَكُمُ}[الشعراء: ٢٧]، قال الزجاج:" {هَذَا} في موضع رفع، و {القُرْآنُ} مبين عنه، ويسميه سيبويه: عطف البيان، لأن لفظه لفظ الصفة، ويدل على أنه عطف بيان قولك: مررت بهذا الرجل، وهذه الدار".
قوله:(للإنكار المستقبل بالتجهيل): النهاية: "الاستقلال: بمعنى الارتفاع والاستبداد، يقال: تقلل الشيء واستقله".