من حيث إنه إذا حكم بالشيء وكتبه فقد أمر به وأوجبه، أو يكون حالًا من أحد الضميرين في {أَنْزَلْنَاهُ}؛ إما من ضمير الفاعل، أي: أنزلناه آمرين أمرًا، أو من ضمير المفعول، أي: أنزلناه في حال كونه أمرًا من عندنا بما يجب أن يفعل.
فإن قلت:{إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يكون بدلًا من قوله: {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}، {ورَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} مفعولًا له، على معنى: إنا أنزلنا القرآن؛ لأنّ من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم، وأن يكون تعليلًا لـ {يُفْرَقُ}، أو لقوله:{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنا}، …
قوله:(من حيث إنه إذا حكم بالشيء وكتبه فقد أمر به): يعني: أن معنى {يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}: يفصل ويكتب كل أمر مفعول على مقتضى الحكمة، كما هو معنى "الأمر" الذي هو ضد "النهي"، لأنه تعالى إذا حكم بالشيء وكتبه فقد أوجبه، فكان معنى قوله:{يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} معنى قوله: {أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا}، وكان من حق الظاهر- لقوله:"أن يوضع موضع فرقانًا"- أن يقال: أن قوله: {أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا} بمعنى: يفرق ويفصل ويكتب، لأن أمره النازل من عنده سبحانه وتعالى لا يكون إلا فصلًا وفرقانًا، لكن لما قال:"معنى الأمر والفرقان واحد"، جعل الأول بمعنى الثاني؛ لاتحادهما في المعنى.
وإنما سلك هذا المسلك ليجمع بين قولي الزجاج حيث قال:"ويجوز أن يكون منصوبًا بـ {يُفْرَقُ}، أي: يفرق فرقانًا، لأن {أَمْرًا} بمعنى "فرقانًا"، أو المعنى: يؤتمر فيها أمر قال أبو البقاء: "أمرنا أمرًا، دل على هذا ما اشتمل عليه الكتاب من الأوامر، و {مِّنْ عِندِنَا}: إما صفة لـ"أمر" أو أن يتعلق بـ {يُفْرَقُ}".
قوله:(تعليلًا لـ {يُفْرَقُ} أو لقوله: {أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا}): هذا جمع، وقوله: "أي: يفصل