وعن أبي الدرداء أنه كان يقرئ رجلًا، فكان يقول طعام اليثيم، فقال: قل طعام الفاجر يا هذا. وبهذا يستدل على أنّ إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها، ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة، وهي: أن يؤدي القارئ المعاني على كمالها، من غير أن يخرم منها شيئًا، قالوا: وهذه الشربطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة، لأنّ في كلام العرب -خصوصًا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه- من لطائف المعاني والأغراض، ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة رحمه الله يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر، وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية.
{كَالْمُهْلِ} قرئ بضم الميم وفتحها، وهو دردي الزيت، ويدل عليه قوله:{يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ}[المعارج: ٨]، مع قوله:{فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ}[الرحمن: ٣٧]، وقيل: هو ذائب الفضة والنحاس.
قوله:(أنه كان يقرئ رجلًا، فكان يقول: طعام اليثيم): الانتصاف: "يعني: كان يقرئه، فلم يستطع أن يقول: الأثيم، فكان يقول: اليثيم، فأعاد عليه، فلما عجز قال: قل: طعام الفاجر، وفيه دليل على قراءة القرآن بالمعنى"، وقال:"لا حجة فيه، وقول أبي الدرداء محمول على إيضاح المغنى، عونًا على أن يأتي بالقراءة كما أنزلت، هكذا حمله القاضي أبو بكر في كتاب (الانتصار) ".
قوله ({كَالْمُهْلِ} قرئ بضم الميم): وهي المشهورة، والفتح شاذ.
قوله: (ويدل عليه- أي: على أن المراد بـ "المهل" دردي الزيت- قوله تعالى:{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ}، مع قوله:{فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}): لأن الأول دل على أن السماء تصير