راعنا افترضوه وخاطبوا به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم يعنون به تلك المسبة؛ فنهي المؤمنون عنها، وأمروا بما هو في معناها؛ وهو:(انظُرْنَا) من نظره؛ إذا انتظره. وقرأ أبي:(أنظرنا) من النظرة، أي: أمهلنا حتى نحفظ. وقرأ عبد الله بن مسعود:(راعونا) على أنهم كانوا يخاطبونه بلفظ الجمع؛ للتوقير. وقرأ الحسن:(راعناً) بالتنوين من الرعن؛ وهو الهوج، أي: لا تقولوا قولاً راعناً، منسوباً إلى الرعن بمعنى رعنياً، كدارع ولابن؛ لأنه لما أشبه قولهم:(راعينا)، وكان سبباً في السب؛ اتصف بالرعن
"راعينا" كلمة ذات وجهين تحتمل المدح والذم، أما المدح فباعتبار العربية، والسب بالعبرانية، فجعلوا كلمة الحق باطلاً، والمدح ذماً، فهذا أيضاً من تعاكيسهم كاستبدال كلام الشياطين بكلام الله.
قوله:(راعنا) من راعيت الأمر، نظرت إلام يصير، وأنا أراعي فلاناً، أنظر ماذا يفعل. الجوهري: راعيت الأمر: نظرت إلى أين يصير. وراعيته: لاحظته.
الراغب: الرعي: حفظ الغير في أمر يعود بمصلحته، ومنه رعي الغنم، ورعي الوالي الرعية، وعنه نقل: أرعيته سمعي، وتشبيهاً برعي الغنم، قيل: رعيت النجوم، إذا راقبتها.
قوله:(من الرعن وهو الهوج) الأهوج: الطويل الأحمق. وصف الكلام به مبالغة كما يقال: كلمة حمقاء. قال الزجاج: معنى قراءة الحسن راعناً بالتنوين، لا تقولوا حمقاً من الرعونة.
قوله:(لأنه لما أشبه) تعليل لتسمية قولهم: راعناً بالرعن ووصفه بالرعونة. يعني: لم يكن قصدهم فيه هذا المعنى، لكن لما أشبه قولهم قولهم، فكانت المشابهة سبباً لافتراضهم السب سمي بالرعن؛ إطلاقاً لاسم السبب على المسبب، والفرق بين القراءتين: أن تعليل النهي في قراءة الحسن منصوص عليه، وفي الأولى مطلق.