لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأضربن عنقه. فقالوا: أولستم تقولونها؟ فنزلت. (وَلِلْكَافِرِينَ): ولليهود الذين تهاونوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وسبوه (عَذَابٌ أَلِيمٌ).
"من" الأولى للبيان؛ لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان: أهل الكتاب والمشركون، كقوله تعالى:(لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ)[البينة: ١]؛ والثانية مزيدة لاستغراق الخير، والثالثة لابتداء الغاية
قوله:((وَلِلْكَافِرِينَ): ولليهود الذين تهاونوا برسول الله صلى الله عليه وسلم) إشارة إلى أن قوله: للكافرين مظهر وضع موضع ضمير اليهود؛ للإشعار بأن قولهم ذلك كان تهاوناً بالرسول، ومن أهان نبي الله وحبيبه كان غالياً في الكفر، كاملاً فيه مستحقاً لأن يعذب بعذاب أليم، أي: مبالغ في الإيلام نحو جد جده.
فإن قلت: لِمَ لَمْ يجعل التعريف للجنس ليدخل اليهود فيه دخولاً أولياً؟ قلت: ليس بظاهر؛ لأن الكلام مع المؤمنين فلا يصح قوله:(وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[البقرة: ١٠٤] أن يكون تذييلاً، بخلافه في قوله:(فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)[البقرة: ٨٩] وإذا جعل التعريف للعهد اختص باليهود بقرينة السياق، وكان تعريضاً بالمؤمنين وتغليظاً للوصف.
قوله: ("من" الأولى للبيان) أي: في قوله تعالى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ)[البقرة: ١٠٥]، "والثانية مزيدة" أي: في قوله: (مِنْ خَيْرٍ) لأنها واقعة في سياق النفي، فتفيد النكرة العموم، وهو المراد من قوله:"لاستغراق الخير" أي: لتأكيد استغراق الخير، "والثالثة لابتداء الغاية" أي: في قوله: (مِنْ رَبِّكُمْ). المعنى: أن الكفر في الفريقين يقتضي عدم ودادتهم إنزال الخير من الله، وفي تخصيص أهل الكتاب وإيقاع الكفر صلة للموصول وبيانه بقوله:(مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) وإقامة المظهر مقام المضمر، الإشعار بأن كتابهم يدعوهم إلى متابعة الحق، لكن كفرهم يمنعهم.