ولك أن تجعل قوله تعالى:{وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} اعتراضًا بين {أَنذَرَ قَوْمَهُ} وبين {أَلَّا تَعْبُدُوا}، ويكون المعنى: واذكر إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم، وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك، فاذكرهم.
والحال يجوز أن يكون من فاعل {أَنذَرَ}، أي: أنذر قومه معلمًا إنذار الرسل قبله وبعده، أو من مفعوله، أي: أنذرهم وهم عالمون بإنذار سائر الرسل؛ إما بالمشاهدة أو بتعليمه إياهم.
وعلى أن تكون معترضة: المعنى: اذكر- يا محمد- إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب الأليم، واذكر أيضًا أنه قد أنذر من تقدمه من الرسل، ومن تأخر عنه مثل ذلك الإنذار، وإليه الإشارة بقوله:"فاذكرهم"، وإنما كرر "اذكر" لأن كلًا من المعترض والمعترض فيه مستقلان في القصد، بخلاف الحال.
وأما قوله:"ومعنى: {ومِنْ خَلْفِهِ} على هذا التفسير": فإشارة إلى تفسير ابن عباس؛ لأن {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} إذا فسر بالذين بعثوا في زمانه: يصح أن يقع إنذار بعضهم بعد إنذاره، وقوله تعالى:{وقَدْ خَلَتِ} - على الوجه الأول- جاء بلفظ الماضي، والمراد: الذين سيبعثون، على سنن الإخبار عن المستقبل بالماضي تحقيقًا له.
قوله:(من أين طابق): تحرير السؤال والجواب: كأنهم قالوا: أجئتنا لتصرفنا عن ألهتنا بما تعدنا من نزول العذاب، فمتى هذا الوعد؟ فأتنا بالموعود أن كنت صادقًا. فأجيبوا: إنما العلم عند الله لا يأتيه لوقته إلا هو، فكيف آتيكم به- كما قال-؟