ولقد جاء عليه غير آية في القرآن؛ {هُمْ أَحْسَنُ أَثاثًا وَرِءْيًا}[مريم: ٧٤]، {كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارًا}[غافر: ٨٢]، وهو أبلغ في التوبيخ، وأدخل في الحث على الاعتبار.
{مِنْ شَيْءٍ} أي: من شيء من الإغناء، وهو القليل منه. فإن قلت: بم انتصب {إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ}؟ قلت: بقوله: {فَما أَغْنى}. فإن قلت: لم جرى مجرى التعليل؟ قلت: لاستواء مؤدى التعليل والظرف في قولك: ضربته لإساءته، وضربته إذا أساء؛ لأنك إذا ضربته في وقت إساءته، فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه، إلا أن "إذ" و"حيث"، غلبتا دون سائر الظروف في ذلك.
القربان: ما تقرب به إلى الله تعالى، أي: اتخذوهم شفعاء متقربًا بهم إلى الله، حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وأحد مفعولي "اتخذ": الراجع إلى {الَّذِينَ} المحذوف، والثاني:{آلِهَةً}. و {قُرْبَانًا}: حال، ولا يصح أن يكون {قُرْبَانًا} مفعولًا ثانيًا، و {آلِهَةً} بدلًا منه؛ لفساد المعنى. وقرئ "قربانًا" بضم الراء، والمعنى: فهلا منعهم من الهلاك آلهتهم.
قوله:(ولا يصح أن يكون {قُرْبَانًا} مفعولًا ثانيًا، و {آلِهَةً} بدلًا منه، لفساد المعنى): قيل: لأن الآلهة لا تتخذ قربانًا، وإنما يتقرب إليها، وقال بعضهم: لا يصح أن يقال: تقربوا بها من دون الله، لأن الآلهة لا يتقرب بها، لأنك إذا جعلت {قُرْبَانًا} مفعولًا ثانيًا لـ"اتخذ"، فكأنك قلت: اتخذوهم- أي: الأصنام- قربانًا وآلهة، والإله لا يتخذ قربانًا، فيفسد المعنى.
قال الفاضل نور الدين الحكيم الأبرقوهي: يفسد المعنى؛ لأنه لا يستقيم أن يقال: كان من حق الله أن يتخذ فربانًا، وهو اتخذوا الأصنام من دونه قربانًا، كما استقام أن يقال: كان من حق الله?