{أَثْخَنْتُمُوهُمْ} أكثرتم قتلهم وأغلظتموه؛ من الشيء الثخين: وهو الغليظ، أو أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى أذهبتم عنهم النهوض، {فَشُدُّوا الْوَثاقَ} فأسروهم، والوثاق -بالفتح والكسر- اسم ما يوثق به.
{مَنًّا} و {فِداءً} منصوبان بفعليهما مضمرين، أي: فإمّا تمنون منا، وإما تفدون فداء، والمعنى: التخيير بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم فيطلقوهم، وبين أن يفادوهم.
فإن قلت: كيف حكم أسارى المشركين؟ قلت: أمّا عند أبي حنيفة وأصحابه: فأحد أمرين: إمّا قتلهم، وإمّا استرقاقهم، أيهما رأى الإمام، ويقولون في المنّ والفداء المذكورين في الآية: نزل ذلك في يوم بدر، ثم نسخ. وعن مجاهد: ليس اليوم منّ ولا فداء، وإنما هو الإسلام أو ضرب العنق.
ويجوز أن يراد بالمنّ: أن يمنّ عليهم بترك القتل ويسترقوا، أو يمنّ عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية، وكونهم من أهل الذمّة، وبالفداء: أن يفادى بأساراهم أسارى المشركين، فقد رواه الطحاوي مذهبًا عن أبي حنيفة، والمشهور أنه لا يرى فداءهم، لا بمال ولا بغيره، خيفة أن يعودوا حربًا للمسلمين.
قوله:(والوثاق- بالفتح والكسر-: اسم ما يوثق به): الراغب: "وثقت به أثق ثقة: سكنت إليه، واعتمدت عليه، وأوثقته: شددته، وما يشد به: وثاق، قال تعالى:{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر: ٢٦]، وقوله:{فَشُدُّوا الوَثَاقَ}، والميثاق: عقد مؤكد بيمين وعهد، والموثق: اسم منه، قال تعالى:{حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ}[يوسف: ٦٦]، والوثقى: قريبة من الموثق، وقالوا: رجل ثقة، وقوم ثقة، وناقة موثقة الخلق: محكمته".