كانوا يدعون الحرص على الجهاد، ويتمنونه بألسنتهم، ويقولون:{لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ} في معنى الجهاد، {فَإِذا أُنْزِلَتْ} وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه كاعوا وشق عليهم، وسقطوا في أيديهم، كقوله:{فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ}[النساء: ٧٧].
{مُحْكَمَةٌ} مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجها إلا وجوب القتال. وعن قتادة: كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة، وهي أشدّ القرآن على المنافقين. وقيل لها: محكمة؛ لأنّ النسخ لا يرد عليها من قبل أنّ القتال قد نسخ ما كان من الصفح والمهادنة، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة. وقيل: هي المحدثة، لأنها حين يحدث نزولها لا يتناولها النسخ، ثم تنسخ بعد ذلك أو تبقى غير منسوخة. وفي قراءة عبد الله:"سورة محدثة"، وقرئ:"فإذا نزلت سورة وذكر فيها القتال" على البناء للفاعل ونصب "القتال".
{الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} هم الذين كانوا على حرف غير ثابتي الأقدام، {نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي: تشخص أبصارهم جبنًا وهلعًا وغيظًا، كما ينظر من أصابته الغشية عند الموت، {فَأَوْلى لَهُمْ} وعيد بمعنى: فويل لهم، وهو أفعل؛ من الولي، وهو القرب، ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه.
قوله:(كاعوا): أي: تأخروا وجبنوا، الأساس:"كع الرجل، وكعكعه الخوف، فتكعكع"، الجوهري:"كعت عن الشيء أكيع، وأكاع: لغة في: كععت عن الأمر أكع: إذا هبته وجبنت".
قوله:(ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه): روى الواحدي عن الأصمعي: "معنى قولهم في التهديد: أولى لك: وليك مكروه، وقاربك ما تكرهه". وروي عن أبي علي: أنه علم للويل مبني على وزن "أفعل"، من لفظ "الويل" على القلب، أصله:"أويل"، وهو غير منصرف، كأحمد، للعلمية وكونه على وزن "أفعل".