{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ويتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة، حتى لا يجسروا على المعاصي، ثم قال:{أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها}، و"أم" بمعنى: بل، وهمزة التقرير، للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل إليها ذكر. وعن قتادة: إذن -والله- يجدوا في القرآن زاجرًا عن معصية الله لو تدبروه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا.
فإن قلت: لم نكرت "القلوب"، وأضيفت "الأقفال" إليها؟ قلت: أما التنكير: ففيه وجهان: أن يراد: على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك،
يضجرون منها". والجملة مستأنفة على التقديرين، والتقدير الأخير أنسب للتنافي والتقابل الواقع بين الفريقين في آيات هذه السورة- كما مر-، وقرينتها ستجيء، وهي قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[محمد: ٣٣] الآية، وستقف عليه.
قوله:(يجدوا في القرآن زاجرًا عن معصية الله): فيه تجريد، كقوله:{لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١].
قوله:(أخذوا بالمتشابه فهلكوا): من قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}[آل عمران: ٧]، والتدبر في القرآن: تمييز المحكم من المتشابه، وجعله أصلًا يؤول إليه معنى المتشابه.
قوله:(أن يراد: على قلوب قاسية مبهم): نحوه ما أنشد ابن جني:
أمير المؤمنين على صراط .... إذا اعوج الموارد مستقيم